والدة
الشهيد أبو اعتيق احتضنت التلفاز لتودع ابنها اندفعت الأم الحنونة باتجاه
التلفاز لتحتضنه وتقبله بحرارة ودموع ساخنة، وهي تودع ابنها الشهيد "مصباح
أبو اعتيق" من سكان بيت لاهيا شمال غزة، كيف لا وقد تلقت نبأ استشهاده
كالصاعقة، وتابعت جنازته التي حرمت من المشاركة فيها هي ووالده، عبر شاشة
تلفزيون فلسطين حتى خارت قواها ونقلت إلى
المستشفى في حالة غيبوبة، وكانت الأم المفجوعة قد علمت بنبأ استشهاد ابنها
أثناء متابعتها أحداث الانتفاضة عبر شاشة التلفزيون، وما إن سمعت بالخبر
حتى اتصلت على الفور للتأكد من صحته، حيث تردد جيرانها في عمان بإبلاغها
به ومما زاد حزنها وآلمها أنها لن تستطيع أن تودعه وتلقي عليه النظرة
الأخيرة، ولم يكن أمامها خيار آخر سوى متابعة مراسم تشييع جنازته في اليوم
التالي من خلال شاشة التلفاز الفلسطيني، ولم تستطع تمالك نفسها فارتمت على
شاشة التلفزيون تحتضن جثمان ابنها وتقبله. هكذا م**ت الكوبرا أحشاء الطفل
سامر ما إن سمع الطفل سامر طبنجة [12> عاماً صوت طائرة الهيلوكبتر يهدر
فوق مدينته "نابلس"، حتى هرع تاركاً كتبه ودروسه والتحق بعشرات الأطفال
والفتية الذين ركزوا بأبصارهم نحو الطائرة التي كانت تنثر الرصاص والموت
في محيط "مقام يوسف" بالمدينة، وما هي إلا دقائق حتى ارتدت الطائرة
القاتلة كما ترتد الأفعى السامة على ضحيتها، نحو "خلة الرهبان"، وهو الحي
الذي يسكنه الطفل والذي يبعد مسافة طويلة عن موقع المواجهات، وأطلقت رصاصة
واحدة قاتلة اخترقت جسد الطفل الصغير وم**ت أحشاءه. كم أحب سامر كتبه
وأصدقائه وطائراته، وحين سمع هدير الطائرة ترك دروسه وخرج ليتفرج عليها مع
بقية أصدقائه، لكنها كانت طائرة سامة وقاتلة، كانت أفعى، فقد قتلته
وانتزعت روحه البريئة. الأطفال يصرخون بمرارة وخوف: سامر ينزف… سامر ينزف…
سامر مات… سامر مات… كان غارقاً بدمه الطاهر ويلفظ أنفاسه الأخيرة… كان
سامر يلعب في محيط بيته، ولم يغادره، فهل من مكان أكثر أمانا للإنسان من
بيته؟!! لم يقترف سامر أي ذنب… لم يكن هناك ما يدعوهم لقتله، أم هل كان
ذلك لان سامر لم يملك سوى براءة الأطفال. لم يتخيل أحد أن يقتل طفل في مثل
هذا المكان، لأنه لا يوجد فيه أدنى حد للخطر على حياتهم، وقد أصيبت والدة
الطفل سامر بحالة انهيار عصبي بعد أن فقدت ابنها البكر في لحظة بدت كأنها
خارجة عن الزمن، فقد كان أملها في الحياة، كانت ترى فيه المستقبل البعيد،
ومع ذلك فقد كان هناك من كانت فاجعته أشد، فقد بدا شقيقه "يوسف" ابن
العشرة أعوام كمن يسعى لإعادة شقيقه إلى الحياة، حيث تبع جنازة أخيه التي
انطلقت من بيت الأسرة حافياً، دموعه تنهمر على وجنتيه، راجياً من المشيعين
أن يعيدوه إلى البيت. رحل وائل تاركا كتبه وذكرياته وأحلامه الصغيرة ولم
يعد لوداع والدته يا ويلي كبرته وعلّمته وقتلوه… القتلة… المجرمين… عبارات
رددتها والدة الشهيد "وائل قطاوي" ابن [14> ربيعاً في وجوم وصمت، في
غمرة من الحزن الشديد على طفلها وفلذة كبدها، فبالرغم من أن لها أبناء
آخرين، إلا أن "وائل" كان الأقرب لها. رحل "وائل" ابن الصف العاشر الصناعي
تاركا وراءه كتبه وذكرياته وأحلامه الطفولية الصغيرة، حتى من غير أن يودع
والدته الوداع الأخير، عندما أصيب برصاصة قاتلة غادرة من رصاصات الحقد
م**ت عينه واخترقت رأسه من الخلف، هذا المشهد الدموي الذي لم ولن ينساه
أصدقاؤه ورفاق دربه الذين تبعوا جنازته ودموعهم لم تفارق أعينهم،
وذكرياتهم تحلق أمامهم في الأفق البعيد. ابنة الشهيد عليوة : أبي لن يعود
إلى المنزل نعم أعرف جيداً أن أبى لن يعود إلى المنزل بعد الآن، لن أراه،
لن ألعب معه، وأجلس في حضنه الدافئ، لن أستطيع البكاء على كتفه بعد الآن،
لقد قتله جنود الاحتلال … قتلوه… أصابوه برصاصة في صدره، إنني أكرههم،
لأنهم قتلوا والدي.. وجعلوني واخوتي أيتاماً.. ………………………. هكذا وصفت
الطفلة جميلة [11> عاماً، مشاعرها التي لم تستطع كبتها حين سألناها عن
استشهاد والدها سمير عليوة [29> عاماً من حي الشجاعية بغزة، كانت تعبر
عما بداخلها بكلماتها البسيطة البريئة، وبحركات يديها وبطريقة كلامها،
ودموعها التي لم تفارق عيناها طوال حديثها.