| روايه واقعيه و مره جنان حب في مستشفى الجامعه بجده | |
|
|
كاتب الموضوع | رسالة |
---|
"بيراوي"رومنسي" المشرف العام
عدد الرسائل : 831 السٌّمعَة : 0 نقاط : 283707 تاريخ التسجيل : 16/06/2009
| موضوع: روايه واقعيه و مره جنان حب في مستشفى الجامعه بجده السبت سبتمبر 26, 2009 3:18 am | |
| حب في مستشفى الجامعي تك .. تك .. تك ..
أبطال القصة همسة ـ فراس البداية ترررررررررررررررررررررررررررررررررررررن .. يد رقيقة تغلق المنبه .. الذي اقترب من السابعة صباحاً .. كيف لهذه اليد أن تمتلك هذا القدر من القوة حتى تستطيع أن تحرك الأشياء ؟! إن يداً كهذه أحق بها أن تكون ملكاً لشركة إعلانات لمرطبات جسم من الدرجة الأولى ..
فتحت همسة عينيها الزرقاوات وتأملت الوجود في **ل .. نهضت بتثاقل .. أخذت تحك شعرها البني القصير .. كانت تنام ببجامة نوم سوداء ذات أطراف حمراء في نوع من الأناقة .. أزاحت الفراش إلى جوارها .. وهي تتثائب .. وأخذت تنشط شيئاً فشيئاً ..
توجهت إلى الحمام ..
نظرت في المرآة .. وجه بريء عذب المحيا.. ولكنه مطوق بتلك النظرة المسيطرة .. التي تجعلك تدرك .. أنها ليست بالبساطة أو السهولة التي يتسم بها أصحاب هذه الشخصيات .. ببشرتها البيضاء .. وخديها الممتلئان كقطعة من المشمش .. وشعرها البني القصير .. وفي نهايته بعض الخصل الذهبية .. ولكن أكثر ما يميز شخصية همسة .. هو عيناها الواسعتين اللواتي تصغر لتصبح قطعة من الكريستال المحدبة عندما تبتسم .. ثم أخذت تعمل بوجهها أشكالاً مختلفة بحركات مضحكة .. وكأنها تستمع بأن ترى نفسها بأشكال متعددة .. غسلت وجهها .. توضأت على عجل أنهت صلاتها بسرعة .. نزلت إلى الأسفل ..
وجدت والدتها في الأسفل وهي على مائدة الإفطار .. ووالدها يشعل سجائره ..ويقرأ جريدته .. قالت لهم همسة : صباح الخير .. قالت لها أمها : Good morning my dear .. Come on .. I made you a sandwich.. ابتسمت لها همسة وجلست على طاولة الطعام وأخذت تأكل بصمت .. التفت لها والدها وقال : اليوم يومك يا دكتورتنا .. نظرت إليه همسة مبتسمة .. أما والدتها فقالت : أما كان من الممكن أن تختاري تخصصاً آخر ؟ God .. why CANCER department? قالت لها همسة : ألم نتحدث في هذا الموضوع مراراً يا ماما؟! قلت لك أنه قد تم اختياري لهذا لقسم معالجة السرطان بالتحديد .. إنهم يحتاجون إلى طبيبة في هذا المجال .. وهم لم يختاروني لسبب إلا أني كنت الأولى على دفعتي .. فقط شهرين ثم أذهب إلى أمريكا .. قالت لها والدتها وهي تبتسم : إنها حياتك يا حبيبتي .. ولك حرية الاختيار .. We all support you ثم نهضت والدتها .. وقالت وهي تلتفت إلى والد همسة : سعود .. لقد تأخرنا .. نهض سعود من مكانه .. ثم اقترب من همسة وقال لها بابتسامة: حبيبتي تحتاجين إلى شيء ؟ قالت همسة : Thanks dad .. I am fine .. قبلها على رأسها .. وخرج مع والدتها .. بقيت همسة للحظات .. أخذت تتأمل غرفة الطعام ذات الطراز الأمريكي .. فهي مفتوحة على الصالون .. بتلك الإضاءة الصفراء الخفيفة .. والأثاث الذي يمزج بقوة ما بين اللون الأسود والذهبي .. أخذت همسة ببصرها نحو الزجاج العريض الذي كان على شكل مربعات .. وإلى أضواء الشمس وهي تضيء بقعة عريضة ذات أطراف باهتة .. نظرت إلى ساعتها .. ثم توجهت إلى الأعلى .. ارتدت ملابسها في سرعة .. لبست البالطو الأبيض اللامع .. وضعت طرحتها السماوية على رأسها .. ومكياجاً خفيفاً كعادتها .. وخرجت إلى السيارة .. حيث كان ينتظرها سائقها الخاص ..
توجهت بها السيارة في هدوء .. وهي تنظر من النافذة .. وتستمع إلى فرقتها المفضلة .. blue وصلت بها السيارة .. إلى جامعة الملك عبد العزيز بجدة .. توجهت مباشرة إلى المستشفى .. وبدون أي كلمة نزلت من السيارة .. مرت من بين كل الناس في ثقة معتادة بقامتها الطويلة .. ونظاراتها الشمسية العريضة .. كانت ترتدي بنطالاً أزرقاً تحت البالطو .. وعندما عبرت البوابة الكبيرة .. أخرجت من حقيبتها نظارتها الطبية .. ووضعت بطاقة المستشفى على صدرها .. وعادت تمشي بخطىً ثابتة .. قابلتها صديقتها ندى .. التي قالت : أهلا همسة .. ما شاء الله .. ما هذا الجمال على هذا الصباح الجميل .. ابتسمت همسة .. وقالت لها وهي تغمز : يا لك من كذابة .. كم مرة تقولين لي هذا الكلام ؟ قالت ندى وهي تتصنع البراءة : أنا كذابة ؟ حرام عليك أنا بريئة كما لو كنت طفلة .. ثم ابتسمت لها ابتسامة مصطنعة .. ضحكت همسة بصفاء وقالت : أين الدكتور على ؟ قالت : إنه ينتظرانك في المكتب .. توجهت همسة إلى مكتب الدكتور علي .. رئيس قسم وحدة المعالجة السرطانية ..
دقت الباب بلطف .. قال لها : تفضلي دكتورة همسة .. كانت في أحرفه لكنة مصرية .. تدل أنه عاش فترة طويلة من حياته هناك .. كان دكتوراً عملاقاً جسيماً .. بلحية خفيفة .. وملامح صلبة .. يطالعك بابتسامة تخفي وراءها صرامة لا حدود لها .. قال لها : كيف حالك يا دكتورة إن شاء الله بخير .. فقالت له : الحمد لله يا دكتور .. فقال وهو يرفع من يديه ملفاً : ما رأيك أن نباشر العمل بدون أن تضييع للوقت ؟ قالت همسة في حماسة : أنا رهن إشارتك يا دكتور .. قال لها وهو يرفع ملفاً أصفراً : هذه هي حالتك الأولى .. أريد تقريراً كاملاً عنه في خلال يومين .. قومي بالفحوصات اللازمة .. إنها حالة اشتباه سرطان في العظم .. Ostiod osteoma وهو كما تعلمين ورم حميد للعظام .. فقالت همسة : أجل وهو يوجد بصفة غالبة في فقرات الظهر .. وعظمة الساق .. ونهاية عظمة اليد .. فقال لها الدكتور على معجباً بحماسة الدكتورة الصغيرة : رائع .. وهذا صحيح .. إنها موجودة لديه في يده اليسرى مع انتفاخ بسيط .. هذا تشخيص الدكتور فراس الأولي .. ولكن أريد رأيك أنت أيضاً .. لم نأخذ منه عينة (biopsy) أريد أن تتكلفي بالموضوع بالكامل .. أما هو سيكون تحت تصرفك .. إنه قريب للدكتور البروفيسور : أسامة آصف .. طلب رعاية طبية كاملة وغرفة حتى يطمأن على صحته .. على الرغم من أننا في الحالات العادية لا تفعل ذلك .. ولكن الآن يوجد متسع من الأسرّة ..
لم يلحظ الدكتور أن همسة قد ابتسمت ابتسامة خجلى حين مر ذكر الدكتور فراس .. شاب أنيق ووسيم للغاية .. له ابتسامة ساحرة .. وهو بطل فريق المسرح الجامعي .. كانت دائماً كلما يمر من أمامها ويحييها بنظرته الثاقبة .. تبرق كلمة .. Charming في رأسها ..
فقالت : حسناًَ يا دكتور .. نهضت .. وخرجت من الغرفة ..
كانت طبيبة متحمسة للغاية .. جيل من الشباب .. تجري في عروقه الحماسة .. يحركه أفيون الطموح ..
أخذت تراجع ملف المريض .. اسمه بشار يوسف .. عمره 30 عاماً .. الغرفة : 246
طرقت همسة الباب في هدوء .. (تفضل) .. دخلت همسة في سرعة وهي تطالع في التقارير .. السلام عليكم .. أستاذ بشار .. أنا الدكتورة همسة سعود .. سأكون أنا المشرفة على حالتك .. ثم رفعت بصرها إلى المريض .. وجدته يجلس في المقعد المجاور للسرير .. وهو يتناول الكابوتشينو .. كان قصيراً .. ممتليء الجسم .. يلبس نظارة طبية بدون برواز .. أسمر اللون .. ذو شعر مجعد .. بعيد كثيراً عن خط الوسامة .. ملامحه فيها شيء كثير من الطيبة .. والأريحية .. له نظره لامعة تميز عينيه الصغيرة بشكل لافت .. شفتاه خط بنفسجي بسيط .. فوقه شارب رفيع .. شخصية تحس بأنها لا قد تكون كتاباً مفتوحاً أمامك لمن أراد أن يقلب صفحاته .. ابتسم لها .. وقال وهو يضع رجلاً على رجل .. تفضلي ..
لم تدري همسة .. لم أحست بشيء غريب .. شعور غريب للغاية أحسته تجاه هذا المريض .. على الرغم من الحالات الكثيرة التي أشرفت عليها في السنوات السابقة وفي سنة الامتياز .. إلا أنها ربما المرة الأولى التي يحصل لها شيء من هذا النوع .. لا تدري .. لم أحست أن هذا الإنسان لن يمر مروراً عادياً في حياتها ..
(مرحباً) .. ارتبكت همسة .. قال بشار بابتسامة .. ألهذا الحد أنا جميل .. طبعاً .. إنهم يسمونني فاتن جدة .. ثم ضحك .. ارتبكت همسة .. التي اعتادت أن يعاملها الناس وخاصة السعوديين بشيء من الحذر لأنها دكتورة سعودية صغيرة .. ولكن بشار قال لها بأريحية : تفضلي .. لم تقفين ؟ قالت له بحزم : شكراً .. جلست .. تأملت يده التي كان فيها انتفاخ طفيف .. ثم بدأت تسأله بعض الأسئلة .. وهو يجاوب بكل بساطة .. قالت له : متى بدأت تحس بالآلام ؟ قال لها : بدأت أحس بتغير في حرارة جسمي .. وضعف عام قبل 4 أشهر .. ولكن الألم الفعلي كان قد بدأ من شهرين .. أحست أنه يجاوب على أسئلتها وهو يعرفها جيداً .. بل يعرف ماذا تريد من هذا السؤال .. وما يرمي إليه الآخر .. أخذت تدون المعلومات في الملف الأصفر أمامها ..
ثم قالت : أستاذ بشار .. رفعت رأسها من على الورق .. وأخذت تطالع فيه .. كان ينظر من النافذة .. صمتت .. فقال بشار : غريبة هي الدنيا .. يعيش فيها الناس .. وحيدون .. على الرغم من كل شيء .. الأب يعيش مع أبناءه .. والكل غريب .. لعل الابن يمر بحالة نفسية صعبة .. وآخر ما يلجأ إليه أبوه .. أو حتى أمه .. وحدة في البيوت اللامعة .. وحدة في أكل الطعام الجاف .. وحدة في حتى اللعب .. جفاف وبرد يعصف بالكيان ..
أخذت همسة تقول في نفسها : ماذا يريد هذا ؟ التفت لها مبتسماً وقال : ألست مزعجاً ؟ قالت له بارتباك كأنه قد فضحها : لا أبداً معك حق فيما قلت .. ولكن الحياة .. قال لها بلا مبالاة ودون اهتمام : لا داعي لهذه الكلمات .. صدقيني .. أنا سعيد .. لربما لم أحس بطعم السعادة كثيراً قبل الآن .. حدق فيهل للحظة : أحست أنه يخترق كيانها بنظراته اللامعة ..
ثم قال لها : ما هذا ؟ وأشار على نظارتها الشمسية .. قالت له : ماذا ! نظارتي .. قال لها : اشتريتها بخمسة ريال صحيح .. ههههههههههههههه وأخذ يضحك في سخرية .. استغربت جداً همسة .. ما هذا التغير المفاجئ .. ولكنها تمالكت أعصابها وقالت له : أبداً .. إنها من اسبرت .. قال لها : اسبرت وأنت من أهله .. وأخذ يضحك .. غريب .. لقد كان مهذباً قبل لحظات .. بدأت همسة تحس بالدماء تفور في رأسها.. إنها تكره هذا النوع من الناس التافه .. نهضت من كرسيها .. وقالت : شكراً لك يا أستاذ بشار .. قال لها : لا .. لا تكلفة بيننا .. بشار سادة .. بدون قشطة .. ههههههههههههه أخذت همسة تفكر جدياً في أن تفحص قواه العقلية .. لا بد أنه مجنون .. ولكنها قالت وهي تضغط على حروفها : أستاذ بشار .. سأكون المشرفة على حالتك .. Please .. لو أحسست بأي شيء غريب .. أتمنى أن تخبرني أو تخبر الممرضة .. My extension 2210 الدكتورة همسة .. نظر فيها مبتسماً للحظات .. ثم ذهب وجلس على المقعد .. وأخذ يشرب الكابوتشينو وأخذ ينظر في ركن الغرفة .. وهو يقول لها بلهجة مصرية : إبقا خلينا نشوفك ..
اشتاطت همسة غضباً .. وخرجت من الغرفة .. " من يظن نفسه هذا الغبي " " دكتورة همسة " التفتت بعصبية وقالت بحدة : نعم .. وفجأة .. وجدت نفسها وجها لوجه أمام الدكتور فراس .. كان مندهشاً .. وبسرعة تمالكَ نفسه .. وقال : آسف .. يبدو أني قد أخفتك .. أما همسة فقد احمر وجهها خجلاً .. وقالت : أنا التي أعتذر لم أكن أقصد .. ولكنه هذا المريض الوقح .. قال لها فراس .. تقصدين : بشار ؟ قالت وهي تكاد تنفجر غيظاً : كم هو متعجرف .. وسخيف .. تطلع لها فراس في شيء من الاستغراب وقال : غريب .. ولكنه كان لطيفاً للغاية .. قالت همسة : لطيف .. أي لطيف .. لا أدري ماذا يريد .. كان يتحدث وكأنه شاعر .. ثم فيلسوف .. ثم مهذب .. ثم صار قليل الأدب وبدأ يستهزيء .. ابتسم فراس في عذوبة وقال بصدق : هدئي من روعك .. ذابت همسة خجلاً .. ولكنها لم تظهر شيئاً .. لم تدري لم أحست أنها أنثى .. وأنها بعيدة عن كل الناس .. إنها من ذلك النوع من الناس .. الذي يرى التعبير عن مشاعره شيء من السخافة .. وترى الخجل شيئاً من الضعف .. قال لها فراس .. سوف أطلعك على الملف وعلى التشخيص المبدأي لي .. موافقة .. وأريد أن آخذ رأيك .. ما شاء الله عليك .. دافورة الجامعة .. أخذت همسة تتأمله .. طويل القامه .. شعره مجعد في جمال واناقة غير عادية .. له شارب خفيف .. ابتسامته هي دوماً ما يميزه .. وانفه الطويل .. كلها صفات تجعله دائماً يحظى باهتمام فتيات كثيرات في المستشفى .. ولكنه والحق يقال .. نظيف السمعة .. مهذب دائماً ومحترم للغاية .. انتشلت همسة نفسها من بحره العميق ثم قالت بابتسامة : شكراً .. كانت سعيدة للغاية لهذه الفرصة .. ثم ذهبا وهما يتحدثان ونسيت بلحظات ما فعله بشار ..
فراس .. ماذا سيكون موقعه في حياة همسة .. ندى .. بشار .. الدكتور علي .. الدكتور ياسر .. أسماء .. تخفي ورائها الكثير .. انتظروني | |
|
| |
"بيراوي"رومنسي" المشرف العام
عدد الرسائل : 831 السٌّمعَة : 0 نقاط : 283707 تاريخ التسجيل : 16/06/2009
| موضوع: رد: روايه واقعيه و مره جنان حب في مستشفى الجامعه بجده السبت سبتمبر 26, 2009 3:19 am | |
| الجزء الثاني
الساعة الثالثة صباحاً .. الغرفة : 246
جلس بشار وحده هناك .. يئن من الألم .. وقطرات من العرق تتصبب من جبين محموم .. أخذ يعض على شفاهه بشيء من الألم .. أخذت يده ترتجف وهو يقترب من زر استدعاء الممرضة .. أخذت الصورة تهتز أمامه .. وتظهر أمامها خيالات كثيرة .. وأصوات .. وذكريات كثيرة تمرق في ذهن متعب مكدود .. أغمض عينيه .. وضغط الزر وهو يسقط على الأرض ..
الساعة التاسعة صباحاً .. حين كانت همسة تمشي بين أورقة المستشفى .. وهي تحمل في يديها كتاب علم الأمراض العامة .. General pathology وصلت إلى غرفة الممرضات التابعة للدور الذي فيه بشار .. قالت للمرضة : أي جديد ؟ قالت الممرضة : لقد كان يعاني نوبة ألم حادة في الصباح .. أعطيته 4 أقراص إسبرين .. أومأت لها همسة .. وتوجهت نحو غرفة بشار .. وهي تحس بنوع من الضيق من هذا الإنسان الغريب ..
طرقت الباب .. "تفضلي يا دكتورة همسة " تفاجأت همسة .. كيف عرف أنها هي ؟! دخلت الغرفة وهي تبدي عدم التفاجئ .. وقالت : يبدو أن الأستاذ بشار لديه العديد من المواهب .. ضحك بشار .. وهو يقول .. مَنْ تحمل هذا القدر من النعومة في يديها .. لا بد أن تطرق الباب بطريقة مميزة .. أحست همسة بالخجل .. قال لها : تفضلي .. اجلسي .. أما هو فقد كان نائماً في السرير .. وقد غطى نصف جسده بالملاءات .. ثم فتح بشار الدرج جوار سريره .. اخرج لها .. هدية في علبة صغيرة .. وقال لها بابتسامة صادقة .. تفضلي .. التفتت همسة لم تعرف ما ترد .. أحست أنه يريد أن يتملقها بالأسلوب السعودي الذي تكرهه .. فقالت له هي ترسم على وجهها ملامح الثقة : عفواً أستاذ بشار .. ولكن .. تطلع لها بابتسامة أخرى وهو يقول : خذيها ولا ت**فيني .. كلها أيام وأموت .. عندها لن يكون هناك مريض يهدي لك شيئاً .. تجمدت همسة .. يا لهذه الكآبة والتشاؤم .. أحست أن هنا دورها كطبيبة .. حتى تخفف معاناة الناس .. إن كثيراً من المرضى تروق لهم التراجيديا في حياتهم .. عندما يسمعون أنهم مصابون بمرض خطير .. فإنهم يميلون إلى الكآبة والانعزالية .. وتصوير الموت على أنه هو النهاية القريبة ..
كل هذه الكلمات كانت ترن في أذن همسة .. أخذت منه الهدية .. وقالت له : أستاذ بشار .. فقاطعها وقال : ألم نقل بشار سادة بدون قشطة .. ثم ضحك وهو يقول : لا عليك أنت الدكتورة همسة .. ولكن أنا بشار فقط .. ابتسمت همسة وقالت : بشار .. الحياة أمامك طويلة .. وحسب تصوراتنا المبدئية .. لديكbenign tumor .. قال لها : ورم حميد ؟ فكرت قليلاً في الترجمة العربية وقالت : نعم .. ورم حميد تنهد ثم قال لها : أبداً لا تحكمي على التشخيص المبدئي .. أو حتى ما يقوله لك دكتور قبلك .. ابدئي تشخيصك الخاص .. توقفت همسة ولم تعرف ما تقول .. لم يتكلم بهذه الطريقة الغريبة من نوعها ؟ حاولت أن تغير الموضوع قليلاً فقالت : ألم يأتي أحد ليزورك ؟ التفت لها وقال : بلى .. عندي أصدقاء كثر .. والبارحة كنت مع أقاربي .. لا عليك أنا شاب اجتماعي من الدرجة الأولى .. ابتسمت له همسة وقالت : هذا واضح .. نهضت ثم قالت : سنحتاج أن نأخذ منك عينة حتى نرسلها للمختبر لإكمال بقية التحاليل غداً .. OK ? قال لها : أوكي ..
خرجت من الغرفة وبيدها الهدية .. تمالكها فضول عجيب لتعرف ما هي .. فتحتها بسرعة .. كانت علبة شوكولا من شوكولاين .. وكرت صغير : ألم تغيري النظارة أم خمسة ريال ؟! اشتاطت همسة قهراً .. لقد كان مهذباً .. لم يصر دوماً أن يكون مزعجاً لهذه الدرجة ..
توجهت نحو مكتبها .. دخلته .. فتحت الكتاب العظيم .. الذي هو من تأليف د.روبنز .. أخذت تقرأ فيه .. هذه هي حياة الطالبات الدوافير .. ليس لديهم وقت لحياة شخصية .. ليس لديهم إلا العمل والدراسة ..
" دكتورة همسة ؟! " رفعت همسة رأسها المن** على الكتاب منذ أكثر من ساعتين .. وطالعت وجه الدكتور فراس .. بابتسامته المعهودة .. قالت له : أهلا .. دخل فراس .. وهو يقول : كنت أتساءل هل بالإمكان أن أرافقك في معالجة المريض بشار .. أعرف أنها حالتك .. ولكني بودي أن استفيد منك .. ابتسمت همسة وقالت : طبعاً .. لا مانع لدي .. أخذوا الحديث عن بشار وعن حالته .. أخذ رقمها وأخذت رقمه في حال حدوث أي شيء .. انتهي الدوام ..
وبينما همسة ترجع إلى منزلها .. وجدت رسالة في جوالها : كانت من فراس .. أحست بنشوة غير عادية .. فتحت الرسالة .. صعد رجال إلى الفضاء .. وحينما هبطوا على سطح القمر .. دق الزجاج هندي وقال : صديق في غسل ساروخ ؟
ضحكت همسة من قلبها .. وابتسمت .. وبعثت له برسالة .. أحست بنوع من المتعة .. الغريب أن همسة تدرك تماماً .. أنها لا تحب فراس .. ولكنها معجبة به .. إنها هذه النوعية من الشخصيات الثابتة .. التي تدرك كيف تفرق بين الأمور .. أو هي على الأقل هكذا تعتقد .. وترى أن التصادق بين فتى وصبية .. شيء مقبول .. إذ ما كان هذا الشاب .. بعيداً عن الأفكار السعودية .. وعن الحب التافه في نظرها .. كانت لها فلسفتها الخاصة في الحياة .. وطريقتها التي تميز كثير من فتيات هذا الوقت .. رجعت إلى منزلها .. وبعد أن استحمت بسرعة .. حملت كتابها إلى طاولة الطعام .. وأخذت تأكل .. وهي تقرأ في الكتاب .. وقرأ وتقرأ .. جاءتها رسالة مرة أخرى من فراس .. قرأت الرسالة .. ابتسمت .. ولكن لم يكن لديها وقت لهذه الأمور .. فضلت أن تقرأ .. وتجاهلت فراس .. ولكن في الحقيقة .. قل تركيزها حتى النصف .. هي تفكر فيه .. بطريقة لطيفة بحق ..
صباح جديد .. إنها أول مرة تأخذ فيها همسة عينة من ورم سرطاني .. كنت تحس بانتعاش عجيب .. دخلت همسة المستشفى .. وتوجهت إلى غرفة الدكتور علي .. طرقت الباب .. لم تجده .. ولكنها وجدت الدكتور ياسر .. دكتور سعودي .. أحد أعضاء الجمعية السعودية لمعالجة الأورام .. سمين جداً .. لديه بشرة سمراء .. وعيون صغيرة مستديرة .. حليق الوجه .. أخذ يحدق فيها بنظراته الوقحة .. التي اعتادها طالباته .. معروف عنه أنه دكتور نسونجي من الدرجة الأولى .. متزوج باثنتين من طالبات كلية الطب .. ولكنه رجل ذو منصب هام جداً في هذه الكلية .. إنه الرجل الثاني بعد الدكتور علي مباشرة .. ورئيس قسم علم وظائف الأعضاء في الكلية Physiology
توقف عن تناول ساندويتش الجبن .. وابتسم لها ابتسامة للوهلة الأولى تبدو بريئة : ها .. صباح الخير يا همسة .. قالت همسة : صباح الخير يا دكتور .. عفواً .. أين أجد الدكتور علي ؟ .. قال لها : إنه في اجتماع مع العميد .. هاه ؟ أين وصلت في تشخيصك لحالتك الأولى ؟ أنا منذ أول مرة رأيتك .. قلت هذه الفتاة لا بد أن يكون لها شأن في المستقبل .. قالت له وهي تحس بلزوجة كلماته : شكراً يا دكتور .. اليوم سوف نأخذ منه Biopsy فقال لها : أريني النتائج والتقارير بعدما تنتهي منها .. حتى أعطيك رأيي .. فقالت له بنوع من النفاق الاجتماعي : بالتأكيد يا دكتور سأحتاج إلى مشورتك .. قال لها : خذي رقم جوالي في حال صعب عليك شيء .. أخرجت همسة جوالها بتثاقل .. وهي تلعن اليوم الذي رأت فيه زير النساء هذا .. ودقت على جواله .. حتى يحفظ هو رقم جوالها .. وخرجت من الغرفة .. وهي تحس بضيق بلا حدود .. دخلت مكتبها .. وجدت عليه وردة روز حمراء .. أمسكت الوردة في يديها .. إنها لا تحب هذه التصرفات الشرقية الصبيانية .. ولكنها ولأول مرة يهديها أحد وردة حمراء .. ترى من يكون أرسلها ؟ شيء من النشوة يغمرها في شيء كانت تؤمن بأنه تافه وسخيف ..
قُطع حبل أفكارها .. حين أصدر جوالها صوت أغنيتها التي تحبها .. One love دعت الله من كل قلبها ألا يكون الدكتور ياسر .. وعندما نظرت إلى الجوال .. كان فراس .. أحست بالراحة في أعماقها .. ردت عليه .. فقال له : أهلا دكتورة همسة .. أين أنت ؟ فقالت : ما رأيك أن تأتي لمكتبي .. حتى نتجهز .. الساعة العاشرة سنذهب إلى بشار .. Ok ? فقال لها : لحظات وأكون عندك ..
الساعة العاشرة صباحاً من نفس اليوم.. همسة تدخل مع فراس غرفة بشار لأخذ العينة منه .. أعطته مخدراً موضعياً .. وأخذت مبضعها .. وراحت تعمل به .. لتأخذ عينة من الورم حتى تحللها تحت المجهر .. عندما اقتربت همسة من بشار .. قال لها : هل يمكن أن أقول لك شيئاً .. كانت همسة في حالة انتباهها القصوى .. وكانت متوترة بعض الشيء .. اقتربت منه فقال لها : هل من الممكن أن تطلبي لي من البيك ؟ أكل المستشفى سيء للغاية .. التفتت له همسة .. ثم تجاهلته .. التفت لها مرة أخرى .. وقال مبتسماً : هدئي من روعك .. إنها في النهاية مجرد .. عينة .. ابتسمت له .. وأحست همسة أنها فعلاً مرتبكة .. أخذت نفساً عميقاً .. وبدأت عملها .. وبعد دقائق انتهت منه .. خرجت من الغرفة .. وذهبت إلى المختبر بسرعة.. وأخذت تفحص تحت المجهر .. نظرت .. وبعد برهة من الزمن طالت .. وهي تنظر بكل اهتمام قالت بثقة : بلى إنه بالتأكيد Ostiod osteoma نظر فراس أيضاً .. ثم قال : صحيح .. ابتسمت همسة .. فقال لها فراس : مبروك عليك يا دكتورة تشخيص حالتك الأولى .. ما رأيك أن أعزمك على الغداء في مستشفى الجامعة بهذه المناسبة ؟ فقالت همسة : لا أنا الذي لا بد أن أعزمك .. فقال فراس : لن نختلف كثيراً .. المهم أننا على موعد غداء .. أحست همسة بقلبها ينبض بشكل غير عادي .. نهضت وقالت : حسناً .. سوف أذهب إلى غرفة بشار حتى أطمأنه .. انصرفت سريعاً حتى تخفي خجلها .. وبينما هي تمشي وحدها .. أحست قلبها يخفق .. لم أحس أنا هكذا؟ أخذت تسأل نفسها .. وهي لا تعرف الإجابة .. أخذت تقول في نفسها : قطعاً إنه ليس الحب .. ثم .. وجدت نفسها أمام غرفة بشار ..
طرقت الباب .. دخلت الغرفة : أخبار سارة .. Benign tumor كما قلت لك .. التفت لها بشار في استغراب وقال : ماذا تقولين ؟ ارتبكت همسة وقالت : أقصد ورم حميد .. لا أعرف الترجمة العربية الصحيحة .. ولكنه ذلك That do not send ****stasis
قال لها بشار : لا بد عليك من تعلم المصطلحات العربية يا دكتورة .. كيف ستتعاملين مع مرضى عرب ومن السعودية .. صحيح إنك درست بالإنجليزية .. ولكن هذا لا يكفي .. نظرت له همسة .. أحست أنها صغيرة .. لا تعرف لم .. كيف يتكلم معها بهذه اللهجة القوية .. ثم قال : ثم كيف تقولين .. Ostiod osteoma لا بد أنك فقط نظرت إلى epithelium ولم تنظري إلى C.T وكيف لم تلاحظي Abnormal mitosis فغرت همسة فاها .. كيف يعرف هذا الشخص .. كل هذه الأشياء .. إنها من صميم الطب .. لا مستحيل .. ليست قراءة عامة التي تمكنه من معرفة كل هذه التفاصيل قالت له : من أنت ؟؟ التفت لها بشار .. وحدق فيها طويلاً ..
ترى من يكون بشار ؟ وما هو دور الدكتور ياسر من اللعبة ؟ وكيف ستكون القصة الرومانسية لها علاقة بكل هذا الجو الغريب ؟ سؤال سأجيب عنه في الجزء القادم | |
|
| |
"بيراوي"رومنسي" المشرف العام
عدد الرسائل : 831 السٌّمعَة : 0 نقاط : 283707 تاريخ التسجيل : 16/06/2009
| موضوع: رد: روايه واقعيه و مره جنان حب في مستشفى الجامعه بجده السبت سبتمبر 26, 2009 3:19 am | |
| الجزء الثالث تطلعت همسة في بشار .. الذي احتقن وجهه على غير العادة .. وبدا حاد المزاج بطريقة لم تألفها . وهو دوما الساخر .. الذي يهزأ من كل شيء .. قالت له : من أنت ؟ التفت لها بشار .. بنظرة عين ضيقة من**رة .. طفحت على سطحها الدموع ..
قبل سنتين
مشفى نينواه في أوساكا باليابان .. دخل بشار بقامته القصيرة .. وابتسامته المشرقة التي كان دوماً يقابل بها الجميع .. وروحه الفكاهية التي تضفي جواً غريباً .. كان بشار يدرس في السنة الثانية للبورد الياباني .. تخصص سرطانات .. بعد أن تخرج من جامعة طوكيو .. والسبب في اختيار اليابان بالتحديد .. حب بشار الشديد وولعه بالثقافة اليابانية .. واعتبارها أمراً خارقاً للعادة والمألوف .. شيء من الحضارة والمبادئ التي أحبها .. مذ كان يشاهد أفلام الكرتون في صغره .. والسبب الآخر .. لفكرة كانت قد طرأت على باله .. ثم وجد فيما بعد .. الدكتور ميان من جامعة طوكيو قد فكر فيها أيضاً .. وأقام حولها بحثاً في طوره الأول بعنوان : Gp53 "الجين الحارس" كانت فكرة بشار قاصرة للغاية .. تفتقر إلى المعلومة الطبية .. فقد كان في الصف الثاني الثانوي .. فأرسل للدكتور ميان رسالة .. يخبره فيها بفكرته .. كان متحمساً للغاية .. ولكن حماسه بدأ يخف تدريجياً بعد شهر .. كان ينتظر فيه رسالة من الدكتور ميان .. كان ينتظر فيه كل يوم رسالة بفارغ الصبر .. وبعد ذلك تناسى الموضوع .. ولكن بعد ذلك جاءته رسالة من الدكتور ميان .. "أنا قادم للسعودية الشهر المقبل .. أتمنى أن ترسل لي عنوانك حتى أتمكن من مقابلتك .." وكان الدكتور ميان قادماً لمؤتمر خاص بأمراض السرطان في جدة .. تفاجئ ميان كثيراً بعمر بشار الصغير وحماسته .. ولغته الإنجليزية الركيكة .. التي كان يحاول بها جاهداً أن يوصل بها فكرته .. وأحسن ميان .. أن هذا الشاب .. له طاقة عالية بحق .. ورغبة لا حدود لها في هذا المجال الضخم الذي لا شك أنه يخدم الإنسانية .. وأصبح بشار يراسل ميان على فترات متباعدة .. وشغلت بشار هذه الفكرة حد الهوس .. وفي النهاية .. وبعد تخرجه من الثانوية .. ذهب إلى اليابان .. بعد أن تبنى الدكتور ميان بشاراً .. واستطاع أن يحصل له على موافقة لبعثة في جامعة طوكيو .. تشمل تكاليف الجامعة .. والسكن في الحرم الجامعي .. كل هذه الأفكار كان تمر دوماً على ذهن بشار كلما خلا بنفسه ..
أفاق من ذكرياته .. على صوت الممرضة .. التفت لها .. وجد بين يديها ملفاً أحمراً .. ضاقت عيناه .. وازداد توتره .. أخذ الملف من يدها .. وأخذ يمشي في أورقة المستشفى المزدحمة بالمرضى .. "حالة جديدة" وصل إلى قسم بعيد وبدأ الازدحام يخف تدريجياً .. حتى صار لا يكاد يظهر .. دخل مكتبه هناك .. أخذ يطالع الملف الجديد .. مريضة بـ: Osteocarcinoma "سرطان العظم الخبيث " وهذا النوع من السرطانات .. عالي الخطورة .. إذ أنه يرسل قطعاً صغيرة من هذا السرطان إلى باقي أجزاء الجسم .. ويصعب التحكم فيه بحق .. وقد تكون حالة هذا الإنسان ميؤسة منها .. إلا أن معجزات الله التي كان يؤمن بها بشار كانت فوق الطبيعة التي نعيشها .. فكر أن يجرب عليها نتائج بحث Gp53 التي ظل طوال سنوات الجامعة معاوناً فيها لـ ميان .. وأنها قد تتمكن من إنقاذ هذا المريض .. إلا أن البحث ما يزال قيد الدراسة .. ونتائجه غير مضمونة .. نهض من كرسيه .. وذهب إلى غرفة المريض .. طرق الباب بحماس .. ودخل .. نظر إلى المريض .. ثم تجمد في مكانه .. كانت مريضة .. ولكنها لم تكن كأي مريضة .. كانت جميلة .. بل كانت قمة في الجمال .. شعرها الأسود الطويل الناعم الفاحم الذي انسدل على كتفيها في نعومة الحرير .. وجهها الأبيض الصغير النقي .. صحيح أنها لا تزال تحمل بعض صفات الآسيويين .. العيون .. والأنف الصغير .. إلا أنه كان طفيفاً .. كان حاجباها مرسومان .. كأنها يد فنان .. رسم بدقة هذه الخطوط .. وشفاه ممتلئة .. كحبات الكرز .. ورقبة ممتدة .. وذقن مستدير .. ووجه كالقمر .. ظل بشار .. يحدق فيها لثوان .. أحست الفتاة بالخجل .. وأشاحت بوجهها .. ولم تستطع أن تقول كلمة .. أحست أنه ينظر لها بإعجاب .. كان يبدو أنها في قمة الخجل .. كانت أنثى بحق .. كان بشار .. من صنف البشر .. الذي يرى في الفتيات اليابانيات جمالاً .. على ع** شاكلة كثير من الناس .. التي تكره الشكل الآسيوي بكل ملامحه جملة وتفصيلاً .. قال لها : مرحباً .. فالتفتت الفتاة إلى الناحية الأخرى .. وهي تضع خصلة من شعرها وراء أذنها .. وتقول في ابتسامة : أهلاً .. وللحظات نسي بشار أنها مريضة .. بل تحمل مرضاً قاتلاً .. وفجأة انتبه .. جلس جوارها .. وبدأ بممارسة عمله كطبيب بحق .. أخذ منها المعلومات التي يريد .. وفي منتصف الكلام .. بدأ يتيه فيها .. لم ينتبه لنفسه وهو يقول : هل أنت مرتبطة ؟ نظرت له الفتاة .. ثم علتها حمرة من الخجل .. ولكنها ما لبثت أن أشاحت بوجهها .. وقالت : وكيف تكون فتاة مثلي قد تموت في أي لحظة مرتبطة ؟! طالع فيها بشار .. وأحس بقوة غريبة تسري في دمه وهو يقول : ومن قال بأنك ستموتين ؟! نظر في عينيها السوداويين وقال : أعدك أنك ستعيشين .. وخرج من غرفتها بعد أن حياها .. وكله أمل .. كله حماسة .. كله اندفاع .. كله حب .. | |
|
| |
"بيراوي"رومنسي" المشرف العام
عدد الرسائل : 831 السٌّمعَة : 0 نقاط : 283707 تاريخ التسجيل : 16/06/2009
| موضوع: رد: روايه واقعيه و مره جنان حب في مستشفى الجامعه بجده السبت سبتمبر 26, 2009 3:20 am | |
| التفت بشار إلى همسة .. بتلك النظرة الساخرة التي اعتادتها همسة منه .. وإن كانت مليئة بشيء من الدموع .. وقال لها : دكتورة .. هل نسيت واجباتك ؟ لديك مرضى آخرين يجب أن تعتني بهم .. قامت همسة .. وكأنها لتوها قد أحست بالوقت .. وهي تخفي بمهارة إحساسها بالقهر على إضاعته وهي تقول : لقد رتبت أموري جيداً .. نظر لها بشار وضحك قائلاً : القاعدة الأولى .. لا بد أن يشعر المريض أنك طبيبة واثقة بحق .. نظر لها مبتسماً .. فابتسمت همسة .. وأدركت أنها لن تخدع طبيباً .. قامت من مكانها وقالت : هل سنكمل حديثنا فيما بعد .. نظر لها وقال : لا بد عليك أولاً أن تتأكدي من العينات التي لديك يا دكتورة .. إنها بالتأكيد .. Osteosarcoma ثم خفض رأسه وقال بخفوت : مرض مايا .. صمتت همسة وقالت : سأتأكد بنفسي .. ابتسم لها بشار .. خرجت همسة من هناك .. ودهشت كم استغرقت في عالم بشار .. وكأنه كان مكاناً تام الانعزال عن بقية المشفى .. لا بد أن أعرف بقية القصة .. وكيف وصل هو إلى هذه الحالة .. ومن هي مايا ؟ أهي تلك اليابانية ؟ أسئلة كثيرة كانت في ذهن همسة .. ولكنها لم تعرف لها إجابة .. توجهت لمكتبها .. وعندما دخلت .. وجدت تلك الوردة الحمراء كعادتها .. أمسكتها .. واشتمتها .. لقد صار الأمر غريباً .. كل يوم تجد وردة حمراء على مكتبها .. على الرغم من أن همسة ليست من ذلك النوع من الفتيات .. اللواتي تروق لهن هذه الأمور الرومانسية ولكنها لا تدري لم أحست في داخلها بشيء من اللذة .. بشيء من المتعة .. شيء غريب .. جلست على كرسيها وأخذت تراجع سجلات بقية المرضى .. ولكن بشار كان يشغل بالها على غير العادة .. لم قصته مثيرة كهذا .. فتحت كتبها .. تبحث عن Gp53 إنه الجين الحارس .. الموجود في كل خلية .. لا أظن أحداً فكر .. لم لا تنمو أجسادنا في أشكال غريبة .. طالما أن أجسادنا في حالة نمو مستمر ؟ بمعنى آخر .. لم .. مجد أجسادنا تتوقف عند طول معين .. والسبب في الجين Gp53 هو المسئول عن الموت المبرمج الذي تقوم به الخلية من تلقاء نفسها .. قرأت في كتبها .. ولكنها لم تجد البحث الذي كان يتحدث عنه بشار .. أو بالأصح الدكتور بشار .. ذهبت إلى كمبيوترها .. فتحت شبكة النت .. وفتحت محرك البحث google .. أخذت تبحث عن هذا الموضوع ووجدته .. البحث الحائز على جائزة .. المركز الثاني للهيئة العالمية لمعالجة الأورام في تورينتو بكندا .. بواسطة : البروفيسور : ميان ناريتا والدكتور : بشار البدري نتائج رائعة لهذا البحث بنسبة 60% بعد تجارب حية .. وينتظر منه أن يكون واحداً من أهم طرق علاج السرطان الجديدة .. أخذت همسة تقرأ .. وتقرأ وتقرأ .. ومرة أخرى نست العالم كله .. نست مرضاها .. حتى أنها لم تهتم أبداً .. لجهاز ندائها الآلي .. لم تفق إلا بعد ساعتين ونصف من القراءة المتواصلة .. على صوت جوالها .. ندى ؟ أهلا أين أنت ؟ لقد بحثت عنك ولكني لم أجدك .. سمعت همسة صوت ندى عاليا .. نحن نبحث عنك أكثر من ساعة .. والدكتور علي والدكتور ياسر ينتظرانك .. انتبهت همسة للوقت .. وقالت : سوف آتي حالاً قالت ندى : لا تنسي نتائج العينة .. أحست همسة أن الدنيا كلها قد قلبت فوق رأسها بغتة وهي لا تدري ما العمل .. قررت أخيراً .. أن تذهب إلى بشار .. لتأخذ منه عينة أخرى بسرعة .. إنهم ينتظرون نتائجها بفارغ الصبر .. ذهبت إلى بشار بسرعة .. دخلت غرفته .. أستاذ بشار .. أقصد دكتور .. ابتسم لها بشار وقال : ألم نقل بشار سادة بدون قشطة .. ابتسمت همسة هذه المرة رغماً عنها .. وقالت : بشار .. لم تدري لم أحست بالخجل .. شيء غريب هذا الذي يحصل لها هذه اليومين .. إنها صارت تخجل كثيراً .. إن شخصيتها ليست من هذا النوع .. قالت له : يجب أن أأخذ منك biopsy " عينة من الورم" بسرعة .. الدكتور ياسر والدكتور علي ينتظران نتائج بحثي .. نظر لها بشار وقال : لا يا همسة .. همت بأن تقول له : دكتورة لو سمحت .. ولكنها لا تعلم لم أحست معه بألفة غريبة .. ولكن بشار تابع لا تفعلي هذا أبداً .. أنت طبيبة .. والعمل بهذه العشوائية لا يفيد أبداً .. وبهذه الطريقة قد تفقدين حياة إنسان .. اختل توازن همسة .. ولم تعرف كيف تتصرف .. أمسكت رأسها وجلست وهي تزفر بقوة .. وعيناها على الأرض .. صمتت لبرهة .. " همسة " رفعت همسة وجهها .. كان بشار يقف أمامها وفي يده المزهرية .. وبقي فيها ماءها .. وفي لحظات .. تششششششششششش .. حدقت همسة في وجه بشار .. وأحست أن قلبها قد توقف .. لقد ألقى الماء في وجهها بقوة .. أمسك بشار وجه همسة في قوة .. وهو يهزه برفق ويقول : همسة .. اهدئي .. ششششششش .. وقفت تتأمل فيه للحظات .. أحست بصوت موسيقى تعبر في أذنها بوداعة غريبة .. أحست بحنان لا حدود له .. أحست أنها في يد أمينة .. بحق .. تمنت لم أغمضت عيناها للأبد .. أحست لوهلة أنها تحب هذا الإنسان .. ولأول مرة تترك همسة لنفسها هذا العنان من المشاعر .. لم تقل لا كما تفعل العادة .. لم تقرع نفسها .. لم تلم نفسها .. بل سمحت لهذا الإحساس أن يدخل على قلبها بكل قوة .. سمحت أن تجعل يديه تدفئ كل ركن في وجهها .. أحست أنها تريد أن تبقى وتبقى إلى النهاية .. أما بشار .. أخذ يتأمل وجه همسة .. بعد أن غطتها المياه .. لأول مرة يتأمل تلك العيون الزرقاء الصافية .. أحس أن فيها شيئاً ليس كالعادة .. أحس أن فيها بنظرتها الحالمة تلك .. ولكنه تأمل كل شيء في وجهها عن كثب .. أغمض عينيه .. وجعل بصره للأرض .. ابتسم .. ونظر فيها مرة أخرى .. كل هذا كان في أقل من دقيقة .. عجيبة بحق هي الدنيا .. أمور قد تحصل في أيام .. نحس بأنها لم تحصل حتى .. وأمور تحصل في ثواني نحس الوقت فيها أن الوقت لا يكاد ينتهي .. صدق أينشتاين في نظريته النسبية بحق .. أفاقت همسة من الحالة التي كانت فيها .. وأحست بخجل بلا حدود .. وهمت بأن تغادر الغرفة .. همسة .. توقفت همسة ولم تنظر حتى لبشار .. كانت تخاف من أن يقول لها أي شيء .. اقترب منها وقال : خذي هذا .. نظرت لما يحمل في يديه .. وجدت أوراقاً وتقارير .. نظرت فيه مستفهمة .. قال : إنها أوراق فحصي في اليابان .. لا عليك مكتوبة بالإنجليزية .. انسخي وصف تحليل العينة .. قالت همسة : حسناً دون أن تفهم ما الموضوع .. حملت الأوراق .. وذهبت لمكتبها .. وهي تحس أنها مخدرة .. إنها لا تحس بأي شيء .. تحس أنها في حلم .. لا تدري لم أحست كأنها تشاهد حلماً .. كانت فيه فتاة صغيرة بضفائرها .. تلهو وتمرح .. رأت شعرها أشقر اللون .. وهي تلعب في تلك الحلقة التي يدور فيها الأطفال .. وهي تمرح .. والضحكة مليء شدقيها .. ابتسمت .. عندها توقفت .. وجدت نفسها تنسخ النتائج .. فتحت عينيها .. وقد أصابها ذهول .. إنها لأول مرة تفعل هذا في حياتها .. كيف وهي الطالبة الأولى على الدفعة .. بل كان بعض البنات يأخذن منها منا تقاريرها .. والبعض الآخر يغش منها في قاعة الامتحان .. كيف وصلت لهذه الدرجة .. وأصبحت تغش .. تذكرت عيون بشار الصغيرة .. لا تدري لم أحست أن العيون تكبر .. حتى تغمرها كلها .. وكأنما أصبحت عيناه .. بحجم الغرفة .. استمرت تكتب .. وبعدها ذهبت إلى مكتب الدكتور علي والدكتور ياسر اللذان كانا ينتظرانها .. دخلت بخفوت .. أحس الدكتور علي أنها في حالة غير عادية .. جلست همسة .. وهي في حالة " تناحة " .. رأى الدكتور علي التقرير وقال : اممممممممممم لم أكن أظن أن الموضوع خطير لهذه الدرجة .. أخطأ الدكتور فراس في حكمه المسبق .. ضاقت عينا همسة .. فراس ! يا ربي .. ما هذا ؟! "دكتورة همسة أنت هنا ؟" هه .. التفتت همسة للدكتور علي الذي كان يتكلم بجدية بالغة .. قالت له : المعذرة .. طالعها الدكتور علي في عيون جامدة وقال : لا .. دكتورة .. لدينا أعمال كثيرة .. ونحن هنا ننتظرك من أكثر من ساعة .. وقت العمل عمل .. أحست همسة أنها تريد أن تبكي .. هنا .. تدخل الدكتور ياسر .. وقال : يبدو أن همسة لديها بعض الأمور .. قال الدكتور علي : عندما ندخل المستشفى .. يجب أن تخلع كل هذه الأمور .. ليس لدينا وقت لمثل هذه السخافات .. نظر فيه الدكتور ياسر وقال : لم أنت عصبي وحاد وهكذا .. الفتاة قد سرحت فقط .. التقرير أمامك .. والفتاة لم تقصر في واجبها .. قال لهمسة : قومي معي .. أخذها وخرج بها من الغرفة .. كانت لتوها همسة قد أفاقت من حالة السكر التي كانت بها .. مشاعر غير عادية كانت في فترة بسيطة .. إعجاب .. ارتباك .. حزن .. حيرة .. غضب .. صرخة مكتومة .. ولأول مرة أحست بالراحة لوجود الدكتور ياسر .. مشى معها الدكتور ياسر في الرواق .. وقال لها : همسة .. يبدو أن أعصابك بحاجة إلى الراحة .. ما رأيك أن تغيري دوامك إلى الليل .. إنه أكثر هدوءاً وأقل ازدحاماً .. غيريه لمدة يومين .. حتى تتحسن حالتك .. لأول مرة أراك بهذه الطريقة .. أنا أعرف أنك طالبة مجتهدة بحق .. ولا عليك من الدكتور علي .. إنه دوماً هكذا .. أهم شيء في حياته العمل وفقط .. ابتسم لها .. وانتفخت فتحتا أنفه .. ولأول مرة .. تحس في أعماقها بامتنان لهذا الإنسان الذي لطالما كرهته .. قالت له : سأفعل .. شكراً لك يا دكتور ياسر .. قال لها : حسناً لدي بعض الأعمال .. انتبهي على نفسك .. ومشى .. تابعته همسة .. إلى أن ذهب .. غريبة هي الحياة .. إنها ليست بالصورة التي نراها في أحيان كثيرة .. ليس هناك إنسان تام الشر .. أو آخر تام الطيبة .. إننا مزيج بين ذلك .. قد يكون هذا الإنسان نسو نجيا .. وقد يكون لئيماً .. ولكنه في النهاية إنسان .. لا بد أن تكون له حسنة ما .. لا بد أن تظهر له صفة طيبة .. نحن ننظر دوماً على الناس أنها إما ملائكة أو أبالسة .. ولكن هذا غير صحيح ..
ابتسمت همسة .. كانت الساعة قد اقتربت من الخامسة .. اتصلت على السائق .. وبعد دقائق .. كانت في طريقها إلى المنزل .. وطوال الطريق .. أخذت تفكر فيما حصل .. أخذت تفكر .. ما الذي جعلها في هذه الحالة من الارتباك .. ولكنها وصلت مرهقة للغاية .. دخلت المنزل .. كان والداها يتفرجان على التلفاز .. دخلت حيتهم .. اقتربت من والدها .. قبلت يديه .. نظر فيها أبوها بشيء من الفخر .. فقالت أمها : Yeah , she grown up for sure نظرت فيها همسة .. وجلست في حضنها .. وأخذت أمها تحيطها بيديها .. قال سعود الأب : ما رأيكم أن نأخذ رحلة إلى ماليزيا تستغرق بضعة أيام .. قالت همسة بدلال قلما تفعله : بابا لدي أعمال كثيرة هنا .. تطلع لها أبوها في حنان .. فابتسمت ..
في الليل .. كان الكل نيام .. إلا غرفة همسة كانت مضاءة .. كانت تفكر .. كانت تجلس على طرف سريرها .. وقد أضاءت مصباحاً أنيقاً .. فتحت حقيبتها .. وجدت فيها وردة .. أخذت تتأمل الوردة .. بدأت تشتمها باستمتاع حقيقي .. لم تكن تريد أن تفكر .. كانت فقط تريد أن تشعر أكثر بما يجتاحها الآن .. كانت تحس أن حياتها قد غسلت من جديد .. بماء بارد .. أصبحت أحاسيسها جياشة .. نهضت .. أخذت تنظر في نفسها في المرآة .. إنها جميلة .. من المؤكد .. ابتسمت .. لا تدري لم أصبحت تحس مؤخراً أنها أنثى .. نظرات بشار .. لا تزال تحس ببعض بقاياها في أركان وجهها .. لمسة يديه الحانية .. أغلقت المصباح .. ونامت ..
استيقظت في الصباح .. نشيطة .. على صوت عصفور أخذ يغرد على شرفتها .. نهضت بتكاسل .. تثاءبت .. تذكرت أن دوامها اليوم في الليل .. أحست أنها اليوم تود أن تكون مختلفة بحق .. نعم .. تريد أن تكون بنتا .. أحست أنها تريد أن تبعد عن رأسها كل ما يذكرها بالعمل .. بالدراسة .. بأي شيء .. أحست أنها تريد أن تمنح نفسها وقتاً .. ذهبت إلى النافذة .. لأول مرة تتطلع في الحديقة الرائعة التي تطل عليها فلتهم .. ابتسمت في جمال .. استقلت على السرير .. فردت شعرها البني .. وقرر اليوم أن تتسوق .. نعم تريد أن تغير من غرفتها الصارمة .. المرتبة .. إنها تريد أن تجعل من غرفتها وردية .. نهضت .. فتحت دولاب ملابسها .. بحثت عن شيء بعيد عن الأناقة .. أقرب ما يكون إلى البراءة .. وبصعوبة بالغة وجدت قميصاً أبيض مرسوم عليه تويتي كبير .. ولبست بنطلون أزرق سماوي خفيف .. وضعت ماكياجا بسيطاً كعادتها .. نظرت في نفسها في المرآة .. أحست أنها طفلة .. ابتسمت .. قررت أن يكون اليوم مختلفاً في حياتها .. كانت الساعة العاشرة صباحاً .. ووالداها قد خرجا .. خرجت مع السائق .. وذهبت إلى شارع التحلية .. دخلت دبنهامز الكبير هناك .. صعدت إلى الدور الثاني .. وجدت الكثير من الأشياء الجميلة .. ذهبت إلى ركن الشموع .. وجدت الكثير من الأغراض .. وقررت شراء مجموعة كبيرة من هذه الشموع العطرية .. كانت في بالها فكرة مميزة لليوم .. ذهبت إلى ركن الملابس .. وجدت بنطلون وردي .. عليه بعض الإ**سوارات .. وسلسلة على الوسط .. كانت تذكر منذ زمن طويل .. أنها لطالما أحبت الكثير من هذه الأشياء .. وكانت تود أن تشتريها .. ولكن والدتها كانت تعارض .. وتقول : لا .. هذا أفضل وهذا أجمل .. لا تلبسي هذا .. حتى أصبح ذوقها محدوداً بأمها .. ولكنها اليوم قررت أن تشتري ما تحس فيه من الداخل أنه جميل وفقط .. بحثت عن مقاسها وأخذته .. ووجدت أيضاً فلينة ضيقة للغاية .. مرسوم عليها أرنوبة توني نون .. مكشوفة الكتف .. قررت أن تأخذها .. كان ذوقها مختلفاً تماماً .. كانت ترى في هذه الأشياء دلع غير مبرر .. ولا تناسب شخصيتها العملية .. في الحقيقية .. إنها لم يكن لديها وقت لتفكر في هذه الأمور .. وكانت تفضل دوماً .. الرسمي .. الأنيق .. ذهبت إلى ركن الزجاجيات .. وجدت بروازا زجاجياً جملاً .. قررت أخذه .. اشترت الكثير من الأشياء .. حتى بلغت مشترواتها حوالي 1300 ريال .. ولكنها كانت سعيدة .. لا تدري لم .. رجعت إلى المنزل .. دخلت الحمام .. وجلبت معها .. كيس بودي شوب .. وأخرجت منه الرغوة والصابون .. أضاءت الشموع .. وعبأت البانيو بمياه ساخنة .. دخلت فيه .. وضعت الرغوة .. جلست في الحمام .. ووضعت موسيقى كلاسيكية .. أحست أنها تنظر لبشار .. أحست بيديه الدافئتين على وجهها .. تركت لنفسها العنان قليلاً .. ثم أفرطت فيه .. لم تحس هكذا تجاه شخص ما .. وجدت أمامها صورة الدكتور فراس .. فتحت عيناها .. ابتسمت في حيرة .. خرجت من الحمام .. كانت الساعة قد قاربت الثامنة ليلاً .. حيث ستذهب إلى المستشفى لتباشر نوبتها .. لبست فستاناً أزرقاً طويلاً .. وحذاء أبيض رياضي .. دخلت المستشفى .. وهي تحس بانتعاش .. وبحب للحياة على غير العادة .. أخذت تراجع الحالات .. وتقرأ التقارير .. وشيئاً فشيئاً .. بدأت زحام المستشفى يخف .. حتى أصبح هادئاً جداً .. فقط يظهر عمال النظافة .. حتى يمسحوا الأرض .. وفي النهاية .. قررت أن تمر على بشار .. أحست بقلبها يرتجف .. اقتربت من الباب .. دقته بلطف .. ادخلي يا منى .. أحست همسة بانقباض .. ولكنها دخلت وقالت بخفوت : أنا همسة .. التفت لها بشار في اهتمام .. همسة .. أين كنت ؟ كيف لا تطمأني على حالة مريضك ؟ ولكن همسة لازالت تحت تأثير كلمة منى .. قالت له : لقد غيرت مناوبتي .. لتكون في الليل .. البارحة كان يوماً حافلاً .. قال لها باهتمام : كيف جرت الأمور ؟ ترددت قليلاً ثم قالت : يبدو أنك تنتظر زواراً .. قال نعم : أخي وابنته الصغيرة منى .. أحبها أكثر من أي شيء في حياتي .. كل يوم يأتون ليسلوني .. شيء رائع أن يكون لديك أهل يسألون عنك دوماً .. أحست همسة بارتياح كبير .. ابتسمت .. فقال بشار : أليس من المفروض أن تأخذي مني عينة مرة أخرى .. قالت له : ولهذا أتيت .. ابتسم لها .. بدأت في سحب العينة .. قال لها : ما رأيك لو أرافقك إلى المختبر .. منذ زمن بعيد لم أدخله .. أومأت له موافقة .. وذهبا سوية .. وفي المختبر .. قال لها .. وضعت الشريحة .. ووضعت على العدسة الجهاز حتى تتكبر الصورة على الشاشة .. فأمسك هو الميكروسكوب وقال : انظري .. في أي عينة عن الأورام .. لا بد أن تنظري للحد الفاصل ما بين طبقة Epithelium و connective tissue " النسيج الطلائي والضام " حتى تعرفي إن كان هناك اختراق أو لا .. ألم تدرسي الصفات الستة للخلايا السرطانية ؟ قالت : بلى .. أن تكون الأنوية غريبة الشكل .. أن لا تماثل الخلايا الأصلية .. أن يكون فيها انقسام غير مباشر نشط جداً .. أن يكون فيها اختراق لطبقة النسيج الضام أن يكون حجم السيتوبلازم إلى النواة 1:1 أن تكون النواة زرقاء .. نظر لها بشار مبتسماً وقال : يحق لك أن تكوني الأولى على الدفعة .. ولكن الدراسة ليست أهم شيء .. أهم شيء التطبيق .. وأن تحسي أنك تقومي بما تحفظي .. كثير هم الأطباء الذي يتحصلون على درجات عالية في السنوات الأكاديمية .. ولكن الطبيب الذي يمارس المهنة باحتراف .. ويتقن العمل .. هو المطلوب هذه الأيام .. أحست همسة .. أنه دكتور بحق .. وأنها تتعلم منه خبراته .. أخذت تستمع إليه في استمتاع حقيقي .. وبعد أن نظرا .. تأكدت أنه ورم خبيث .. أحست قلبها ينقبض .. أحست بحزن شديد .. وصمتت لبرهة .. أما هو فكأنما بشرح شيئاً لا يخصه .. وكأنه لا يدرك أن هذا المرض قاتل .. نظرت له وقالت بعيون بدأت تحمر وتتجمع فيها الدموع : أنت تعلم أن حالتك خطيرة أليس كذلك ؟ نظر لها مبتسماً وقال : لعلك تتساءلين من أين أملك هذا التفاؤل .. ولعلك تتساءلين .. لم لم أتعالج في الخارج .. في اليابان .. أو في أي مكان آخر .. مادمت أعرف الذي أعرف .. نظرت فيه متسائلة بحق .. قال : الموضوع طوووووووووووووويل .. هل تريدي بحق أن تستمعي ؟ أومأت برأسها موافقة .. قال لها مبتسماً : ما رأيك أن أدعوك إلى كوب من القهوة أولاً .. خرجا سويا .. وذهبا إلى الكفتيريا .. جلسا هناك .. قال لها : قولي لي أولاً .. كيف جرت الأمور البارحة .. ترددت قليلاً : ولكنها أخبرته .. بكل الذي حصل .. أحست براحة غريبة في الحديث معه .. وأنها لا تخشى شيئاً في الحديث معه .. أخبرته حتى اليوم عندما ذهبت إلى دبنهامز .. نظر فيها وقال : هل تريدني أن أفسر لك حالتك ؟ تطلعت فيه متشوقة أن تسمع لما يقول .. فقال .. سأخبرك .. لقد مررت البارحة بضغط عالي بحق .. مزيج مختلط من المشاعر .. جعلك تحسين بالانفجار .. ولولا تدخل الدكتور ياسر .. لكنت الآن تمرين بحالة عصيبة .. أتعرفين لم سكبت عليك الماء البارحة ؟ لأنك كنت متوترة .. لا يجب أن يراك مرضاك هكذا .. لا بد أن تكوني واثقة من نفسك .. كان لا بد أن تفزعي قليلاً لتنسى كل هذا .. فقالت هي : تلك هي القاعدة الأولى .. فأومأ وهو بتابع .. وقال ببطء .. يبدو أنك تخافين الرومانسية .. وتخفينها بذلك التهكم الذي تملئين به نفسك عندما تتحدثين .. أظن أني البارحة حين مسست وجهك .. وأطلت النظر .. **رت هذا الحاجز .. أعتذر عن ذلك .. وبعد ذلك أحسست أنك تريدين أن تتمردي على نفسك .. على الحياة التي أغلقت نفسك فيها برغبتك ربما .. وربما برغبة الحياة التي فرضتها عليك عائلتك .. هل أمك سعودية ؟ فقالت : نعم إنها سعودية في الأصل .. ولكنها تمتلك الجنسية الأمريكية .. عاشت هنالك مع جدي معظم حياتها .. جدتي أمريكية .. ابتسم وقال : توقعت هذا .. فقالت : لأني عيناي زرقاوان ؟ قال : لا .. بل لأنك فتاة عملية جداً .. وتلك صفة لا تتوفر فينا نحن الشرقيين العاطفيين في الأغلب .. ذهلت همسة من هذا التحليل الغريب .. ولكنه بالفعل هذا الذي حصل .. دون مراء .. صمتت قليلاً .. ثم قالت له : ألن تخبرني ؟ قال لها : اسمعيني إذا .. هل تذكرين تلك الفتاة التي أخبرتك عنها .. مايا ؟ قالت همسة : اسمها مايا .. بدأ صوته يغلب عليه حزن ما وهو يقول .. نعم اسمها مايا .. كانت .. وفجأة صدر صوت لنغمة خفيفة .. رفع بشار جواله : أهلاً وسام .. أين أنت ؟ أنا في الكافتيريا .. لا .. لا .. سآتي حالاً .. هل منى معك ؟ ههههههههههههه .. قل لها : عمو بشار سيهديك مفاجأة .. أقفل الخط .. التفت إلى همسة .. التي قالت : أخوك ؟ قال : نعم .. قالت : لن أعطلك .. أراك غداً .. ابتسم لها .. ثم قال : امممم .. هل تساعدينني ؟ قالت : فيم ؟ قال : أريد أن أشتري لابنة أخي هدية .. ولا أعرف ما أختار .. ذهبت معه إلى الكشك الصغير التابع للكافتيريا .. الذي يشتري منه بعض الزوار هداياهم للمرضى .. وجد دباً صغيراً .. قال لها : ما رأيك في هذا الدب ؟ نظرت فيه .. كان أبيض اللون .. يعتمر قبعة وردية .. ويمسك في يديه قلباً وردي اللون .. ابتسمت وقالت : جميل جداً .. فقال للبائع .. أريد اثنين .. دفع حسابهما .. ومشى معها .. حتى وصلا الغرفة .. وعند الباب .. قال لها : أراك غداً .. ابتسمت له .. تطلع فيها قليلاً ثم مد يده لها وقال : هذه هدية لك .. وقدم لها أحد الدبين .. نظرت فيه .. ابتسم وقال : إنه بـ 30 ريال .. وليس كنظارتك أم خمسة ريال .. لم يترك لها فرصة للكلام .. دخل الغرفة وأغلق الباب .. وقفت هي في الرواق .. تنظر في الدب ..
بعد ساعات .. كانت تستقل سيارتها وهي عائدة إلى المنزل .. وصلت .. صعدت غرفتها .. كان الصباح في بدايته .. أخرجت من حقيبتها الدب .. وضعته جوارها على الطاولة .. هزته في أنفه .. كانت تشعر بالنعاس .. بعد تغير موعد نومها والترتيب الذي كانت تسير فيه في حياته .. غطت نفسها في الفراش .. بعد أن لبست بجامتها السوداء ذات الأطراف الحمراء .. جلست فترة تحت الفراش .. وهي تفكر .. ترى ما حكايتك يا بشار ؟ أخذت تفكر وتفكر .. ثم تنهدت وقالت : غدا سأعرف كل شيء .. ولكن الفضول كان أقوى منها .. كانت تفكر وتفكر وتفكر .. إلى أن غلبها النعاس فنامت .. وكان الدب بجوار المصباح .. في قمة الجمال يطالع لها في ود .. وحب | |
|
| |
"بيراوي"رومنسي" المشرف العام
عدد الرسائل : 831 السٌّمعَة : 0 نقاط : 283707 تاريخ التسجيل : 16/06/2009
| موضوع: رد: روايه واقعيه و مره جنان حب في مستشفى الجامعه بجده السبت سبتمبر 26, 2009 3:20 am | |
| الجزء الخامس
الساعة العاشرة صباحاً .. استيقظت همسة على جوالها .. بنغمة بلو .. ردت على الجوال دون أن تنظر على الرقم .. والحق يقال .. ليس هناك أكثر عذوبة من ت فتاة لتوها تستيقظ من النوم .. صوت يغمره الدلال .. يملأه الدلع .. قالت : ألو ؟ فرد عليها صوت أخذت بهدوء تحلله في عقلها وهو يقول : همسة ؟ أخذت تفكر من يكون هذا الشخص .. نظرت في شاشة جوالها .. فقرأت : Feras حاولت أن تعدل من صوتها .. علت شفتيها ابتسامة وهي تحاول أن تتكلم بصوت طبيعي .. أهلا د. فراس .. قال لها : آسف لم أكن أعلم أنك نائمة .. قالت له : لا عليك .. ثم تثاءبت .. ومعها ابتسم فراس حتى أذنيه .. كانت في غاية الفتنة .. وصوتها أكثر جمالاً من أي وقت مضى .. قال لها : فقط اتصلت حتى أطمأن عليك .. البارحة لم أرك .. واليوم أيضاً .. أتمنى أن لا يكون مكروهاً قد أصابك .. قالت له : لا .. فقط غيرت دوامي إلى الفترة المسائية ليومين فقط .. قال لها : آها .. أوكي .. أأنت بخير ؟ قالت له : شكراً على اتصالك .. قال لها : لا داعي لأن تقولي هذا الكلام ..
المستشفى بدونك لا تعني شيئاً .. أحست همسة بالدم يتجمع في خديها .. أصبح الخجل شيئاً مألوفاً قد تتعامل معه يومياً .. فقالت بهمس : شكراً >> صمت فراس للحظات ثم قال :
إذا سأراك الثلاثاء ؟ قالت له : بالتأكيد .. رد عليها : أوكي مع السلامة .. قالت : وعليكم السلام ..
أقفلت السماعة ..
إنها أول مرة يتصل بها فراس .. امممممم .. ما الذي أحس به ؟ لا أدري .. جلست همسة على فراشها وشعرها البني قد انتفش .. وأصبح أشعثاً .. أخذت تتأمل الغرفة في شيء من الاستغراب .. وكأنها تراها لأول مرة .. وقع عينها على الدب في طاولتها جوار السرير .. تأملته في بلاهة قليلاً .. لمَ عواطفها في حالة من الاضطراب ؟؟
الساعة الثامنة مساءً .. همسة تنزل من سيارة السائق .. وتمشي في خطى أنيقة إلى داخل المستشفى الجامعي .. وفي نفسها ارتياح عميق .. لا تدري لم .. ولكنها لم تكن على علم بما ينتظرها اليوم .. لم تكن تعرف لأي مدى سوف تؤثر فيها قصة بشار .. كانت تحس بأنها قصة عادية .. تسير الدنيا من بعدها ولا تقف .. ولكنها كانت على خطأ ..
دخلت المستشفى .. كانت خطواتها منتعشة .. مشت بمرح حتى وصلت إلى غرفتها .. وقبل أن تدخلها .. وجدت تلك الوردة الحمراء .. على الباب الذي كان مقفلاً .. أخذت الوردة .. طالعت فيها .. وابتسمت ..
دخلت غرفتها .. وأغلقت الباب .. وبدأت في قراءة تقاريرها .. وبعد دقائق .. خرجت من الغرفة .. بسماعة الأطباء الشهيرة .. التي يحلم الكثير من الآباء أن يرتديها أبناؤهم في يوم من الأيام .. ذهبت إلى قسمها .. قسم الأورام .. توجهت نحو الغرفة 246 .. دخلت الغرفة .. ثم ووقفت على عتبة الباب .. وجدت بشار .. يرتجف من شدة البرد .. وجسده ينتفض بقوة أمامها .. جرت نحوه .. أخذت تنظر فيه .. وكأنما لوهلة نست أنها طبيبة .. وضعت يدها على جبهته .. وجدته ساخنا جداً .. ضغطت على زر استدعاء الممرضة .. أخذت البطانية الثقيلة .. وأخذت تغطيه .. وهي تحس بجزع بلا حدود دخلت الممرضة ..
قالت همسة بجدية تدل على طبيبة محترفة واثقة: Tramadol وكمادات باردة" بسرعة .. وبشار .. لا يكاد يحس بشيء من هذا .. إنه في حالة شديدة Acute stage حاولت همسة أن تدفع بشار جانباً .. ولكن عضلاته كانت في حالة متيبسة .. فلم تجد بداً من أن تشق له ثياب المستشفى الزرقاء .. وتخترق جلد يديه بالإبرة .. ليتدفق السائل الشفاف في يد بشار .. أخذت تنظر إليه في إشفاق .. أحست كم هناك الكثير من الناس من يحتاجها بحق .. نظرت له بحنان .. أخذت الكمادات من الممرضة .. ووضعتها بيديها على رأس بشار .. بعد أن غطته بتلك البطانيات .. وبعد لحظات بدأ يسكن قليلاً .. زفرت بقوة .. ثم خرجت .. وقالت للممرضة : What the hell you were doing? كانت في حالة عصبية .. فقالت الممرضة : I checked him before 10 minutes .. he was OK .. نظرت لها همسة بقسوة .. ثم أخذت بقية أوراقها .. ومشت وهي تقول : Watch it out!
أحست أنها غاضبة بحق .. وأخذت تمر على المرضى الباقين تطمأن على حالتهم .. وبعد أن انتهت بعد ساعة .. كانت متوترة جداً .. جلست في مكتبها .. تنهدت تنهدية طويلة ..
فكرت .. لم لا أذهب إليه .. فقط لأطمأن على حالته .. أخذت تمشي في دهاليز المستشفى .. ورائحة المنظفات تعبق في الهواء .. وهدوء مخيف أحياناً يغمر المكان .. وبرودة تبعث القشعريرة .. مشت حتى وصلت إلى الباب .. طرقته بلطف .. ودخلت .. لم تهتم للممرضة التي كانت حانقة عليها .. من تلك المعاملة الجافة .. والتي أخذت تسبها بالفلبينية أمام صديقتها ..
كانت الغرفة مضاءة بضوء خافت .. فوق سرير بشار .. جلست جواره .. أخذت تتأمل فيه .. لم يكن بقي لها أي عمل .. إنها فقط ترعى المرضى .. وعند أي حالة .. يستطيعون أن يتصلوا بها على بيجرها .. وهي طريقة مألوفة جداً لدى جميع الأطباء .. نزعت عنه كمادة .. ووضعت الأخرى ..
وعندما وضعتها .. بدأ جسده يرتجف مرة أخرى .. أحست همسة بالخوف .. نهضت واقتربت منه .. فصرخ في وجهها بصوت أجش .. وااااااااااااااااااااع .. فرجعت إلى الوراء خائفة .. وهي تصرخ : آآآآآآآآ .. توقفت لحظة .. نظرت لبشار .. الذي كان يطالعها .. ثم انفجر ضاحكاً .. وقفت للحظات .. نظرت إليه في حقد وغل .. أما هو .. فنظر لها وهو يقول بسعادة : يجب أن آخذ لك صورة .. شكلك مضحك جداً .. هههههههههههههههههههه أما هي .. أحست بالغضب .. نظرت في يديها التي كانت تضمها إلى صدرها بخوف حقيقي .. دخلت الممرضة وقالت : What happen? نظرت لها همسة .. وألقت عليها ما تبقى من غضبها ..
وخرجت من الباب دونما كلمة .. وذهبت .. أما الممرضة .. فأخذت تنظر في بلاهة .. وبعد أن مشت همسة للحظات .. نظرت .. فوجدت نفسها في الكافتيريا .. وقفت قليلاً .. زمت شفتيها .. ثم أنزلت رأسها على الأرض .. تبسمت .. ثم أخذت تضحك .. ووضعت يدها على وجهها كأنها خجلة من نفسها .. جلست على كرسي .. وأخذت تفكر .. ما هذا التصرف الصبياني ..
كيف كان هذا الإنسان طبيباً ؟! سخيف بحق .. ثم أخذ تضحك مرة أخرى .. وهي تتخيل نفسها .. أحست بالإحراج من شكلها .. لا بد أنه كان سخيفاً بحق .. طلبت عصير خوخ تروبيكانا الذي تحبه .. وعندما همت بأن تدفع الحساب .. وجدت يداً سمراء تمتد .. وتضع 8 ريالات .. وهو يقول .. سأحاسب عنها أيضاً .. نظرت فوجدت بشار .. وهو بلباس المستشفى وقد تشقق جزء منه مكان الإبرة .. نظرت له .. قالت وكأنما نست لوهلة كل الذي حصل : يجب أن تكون في الفراش الآن .. قد تأتيك نوبة رعاش مرة أخرى .. قال لها متجاهلاً كلامها بابتسامة: هذا اعتذار مني لك على الحركة .. نظرت له مبتسمة وقالت : لا داعي .. شكراً .. فنظر لها مازحاً وهو يقول : علي الطلاق .. سوف تأخذينها .. كان يتكلم معها كما لو كانا أصدقاء يعرفان بعض .. ابتسمت وقالت : حسناً .. كان يحتضن هو الآخر في يده عصير برتقال .. كما لو كانت طفلته .. وبينما هما يتوجهان نحو الغرفة .. فتح بشار قنينة العصير .. وأخذ يشرب .. وبعد أول رشفة قال : يا ساتر .. حتى العصيرات هنا لها طعم الأدوية! نظرت له همسة وضحكت ثم قالت : لم يضربك أحد على يدك .. فقال : عصير تانج من كافتيريا الأمانة بجوار بيتنا بريال ألذ منه والله .. ابتسمت همسة .. فعاد وقال : المشكلة أنه أيضاً بأربعة ريالات .. قالت همسة : انتهينا من هذا الموضوع .. قال لها بتلك الطريقة المرحة: "عشانك بس" .. لقد كنت عازماً على إقفال المستشفى بالشمع الأحمر .. لكني قلت .. آخر مرة .. لن يعيدونها مرة أخرى .. نظرت فيه همسة وابتسمت .. كانوا قد وصلوا إلى الغرفة .. دخل بشار .. طلبت همسة من الممرضة نفسها .. أن تجلب لها ثوباً جديداً لبشار الذي تقطع .. ذهبت الممرضة .. وبعد دقائق .. جاءت بواحد جديد .. ولكنه كان أصفر .. فقالت لها همسة : No .. you have to bring a blue one انفجرت فيها الممرضة بسيل من الكلمات الفيليبينية .. فجعت همسة .. ولم ترد .. إلى أن خرجت الممرضة وأقفلت الباب خلفها بقوة .. نظرت إلى الباب بعين ذاهلة .. وقالت : ما بها ؟ لم تنتبه همسة كيف كانت تعامل الممرضة .. ضحك بشار وقال : ههههههههههههههههههههه تحصل في أحسن العوائل .. تجاهلت همسة الموضوع .. قالت لبشار .. كل شيء على ما يرام ؟ قال لها بمودة وأريحية: اجلسي .. لدي بسكويت رائع هنا .. وحلويات .. جميل أن يكون الإنسان مريضاً تأتيه هدايا كثيرة .. أخذت همسة تنظر له بتعجب .. فضحك وقال : أمزح ..
الحمد لله على العافية .. كانت تحاول أن تسيطر على ملامحها الجدية .. قدر ما تستطيع بما يليق بأن تكون طبيبة .. ثم قالت : إن احتجت شيئاً .. الممرضة في الجوار ..
كانت تصطنع الثقل .. رغم أنها كانت تود أن تسمع قصة مايا بكل جوارحها .. فقال بشار ببساطة : لم لا تجلسين قليلاً .. سوف يأتي وسام ومعه حبيبتي منى .. قالت همسة وهي تتصنع : امممممم .. حسناً .. ولكني لن أطيل .. ابتسم وقال : أعرف .. جلست همسة .. فقال بشار : هل تريدين أن تعرفي ما الذي حصل لي مع مايا ؟ ثم جعل المخدة تحتضن رأسه .. وذهب ببصره إلى أفق الغرفة البعييييييييد .. دخل بشار غرفة مايا .. كان حيوياً كعادته .. كان يحمل معه باقة صغيرة من ورد أحمر جميل .. "أهلا يا مايا " نظرت مايا فيه بخجل شديد .. وقالت وهي تنزل عينيها في الأرض : أهلاً .. جلس جوارها .. ووضع الورد في المزهرية .. فقالت بحياء : ممن هذا الورد اليوم ؟ نظر فيها وقال وهي يتظاهر بالتفكير : امممم إنه من .. من .. من .. من حارس الأمن .. فقالت له مبتسمة تجاريه: لقد جلب لي قبل 3 أيام باقة ورد .. قال لها : لا .. إنه رجل الأمن الآخر ..
فقالت مايا : دكتور بشار .. أرجوك .. لك أكثر من أسبوعين .. تجلب لي الورود .. وفي كل مرة تقول لي بأنه من أحد العاملين في المستشفى .. هذا كثير .. كانت تنطق اسم بشار بتلك اللكنة اليابانية التي تمسح معظم الأحرف .. حتى لتبدو الكلمات سائحة على بعضها .. ولكنها كانت على قلب بشار مثل العسل الصافي .. نظر لها وقال مبتسماً : لا شيء كثير عليك .. تورد خداها في خجل شديد .. كان بشار يمر عليها في هذه الأسبوعين كل يوم .. لقد أصبح ينام في المستشفى .. وهو أمر يفعله بعض الأطباء المجتهدين .. الذين يريدون التعلم .. فيكون لديهم مناوبات في الليل .. وفي الصباح يرافقون بعض الأطباء المشهورين لإجراء عملية ما .. وهكذا .. شيء من التعب .. ولكن رغبة العلم عند الأطباء بلا حدود .. حتى في السعودية .. طبعاً ليس الكل .. وكانت مايا بدون نقاش تحس بأن بشار يعاملها معاملة خاصة للغاية .. كانت تحس أنه يحبها بحق .. كانت نسمة رقيقة بكل معاني هذه الكلمة .. حساسة كصفحة ماء نقية .. خجولة بشكل غير طبيعي .. كانت بكل معاني الكلمة ملاكاً نقياً .. عرف بشار فيما بعد أنها طالبة في السنة الأولى في كلية الفنون .. كانت تحب الرسم .. وكان بشار .. يجلب لها دون أن تطلب هي .. بعض الألوان واللوحات .. ويطلب منها أن ترسم .. كانت ترسم الطبيعة .. وعند علماء النفس .. رسم الطبيعة دليل على الوحدة .. والانطوائية .. هكذا تعلم بشار من مادة علم النفس التي درسها في سنته الخامسة من كلية الطب .. كان يحب أن يراها وهي ترسم .. وهي كانت تتعمد أن تتحاشى نظراته .. التي كان يمطرها إياها بكل استمتاع .. كان يرى فيها براءة وعذوبة يستطيع أن يرتشف منها إلى الأبد .. كان يتخيلها دوماً .. مجسماً للرقة .. في دولاب زجاجي .. لا يحق لأحد في الدنيا حتى مسه ..
كيف حالك اليوم ؟ نظرت فيه مبتسمة وقالت : بخير .. نظر في لوحتها التي كانت على طرف السرير .. وقال : هممممم .. جميل .. جميل جداً .. ضحكت مايا وقالت : اسكت .. أنت لا تحب الفن كثيراً .. نظر لها وقال : بعد أن عرفتك .. عرفت معنى الفن .. ابتسمت واحمر خداها مجدداً .. وضع اللوحة جانباً وقال : سوف أراك بعد ساعة .. إن احتجت أي شيء ماذا ستفعلين ؟ قالت بحياء : أتصل بك .. ابتسم لها ابتسامة أخيرة .. وخرج من غرفتها .. وخارجاً عند الباب .. وقف بشار .. ووضع يده على قلبه وقال يتنفس بقوة: يا رب ..
ما كل هذا الخفقان ؟ ما كل هذا الإحساس ؟ أكل هذا حب ؟!
تنهد .. ثم التمعت عينيه في بريق .. توجه مباشره نحو غرفته .. فتح الباب .. ثم أضاء المصابيح .. التي كشفت عن الأوراق المتناثرة هنا وهناك .. والكتب الملقاة على الأرض .. وملصقات صفراء في بعضها .. وأوراق ملاحظات مكتوبة على الجدار .. وعربة صغيرة .. تحمل بعض أنابيب الاختبار .. وبعض المحاليل .. وميكروسكوب ضوئي صغير على المكتب . . إنه بالتأكيد لم يمضي هذه الأسبوعين فقط ليجلس جوار مايا .. ولكن أيضاً لأنه يعمل بجد حقيقي .. على الرغم من أن هذا العمل كان هذه المرة من أجل مايا ..
خلع بالطو المستشفى .. ووضعه في الشماعة .. وجلس في كرسيه .. فتح دفترا كبيراً أزرقاً .. وأخذ يقرأ ما كان يكتب البارحة عندما نام على الدفتر .. ثم تنهد .. وبعد دقائق .. دخل الدكتور ميان وقال بجدية وتسارع: بشار .. تعال بسرعة .. ارتدى بشار البالطو وخرج مسرعاً مع الدكتور ميان .. وذهبا حتى وصلا إلى غرفة المختبر .. كانت باردة كالثلج .. دخلا ..
وعلى الشاشة الكبيرة .. قال الدكتور ميان .. وهو يشير إليها : هذا فلم للخلايا التي حقناها بـ Gp53 alpha تحت المجهر الإلكتروني .. وهو يعرض أحداثاً مسرعة لما حصل خلال 3 أيام كنا نراقب فيها الخلايا الحية .. بعد أن وضعناها في حضانة .. كان ميان يتكلم بسرعة بالغة .. حتى أن بشار بالكاد كان يفهم كلماته اليابانية السريعة.. أخذ بشار يطالع .. كانت الخلايا تتحرك .. ولم يكن هناك أي أثر لأي تغيير .. ولكن فجأة .. بدأت الخلايا بالحركة .. وبدأت كرات صغيرة تظهر في نفس الخلايا .. وتتجمع مع بعضها وتفتح على جارتها .. حتى تصبح كرة كبيرة .. وبعد ثواني .. تفجرت هذه الكرة .. وأخذت مكونات الخلية تنحسر .. أخذ بشار يطالع في ذهول .. أفاق من الدهشة ثم صرخ عالياً : نجحنا .. نجحناااااااااااااااااااااا وقام واحتضن ميان .. الذي أخذ يصرخ هو الآخر .. ولكن ميان بدأ يهدأ وهو يقول .. لحظة .. لحظة .. إننا لم نجرب هذا البحث على خلايا آدمية في جسم إنسا .. ولكن بشار قال : دكتور .. لم يبق شيء .. لقد حللنا المشكلة .. الخلية أكلت نفسها بنفسها .. حتى بقية الخلايا التي لم تتعرض للعقار .. لم يحصل لها شيء .. نستطيع أن نقتل بهذا أي ورم في 3 أيام فقط .. هذا فاق توقعاتنا كثيراً .. قال ميان في حماسة ممزوجة بسرحان : نعم لقد نجحنا .. ههههههههههههه خرج بشار من المختبر وهو يكاد يطير من الفرح .. متجها نحو غرفة مايا .. دخل الغرفة دون أن يطرقها .. كان في عنفوان حماسه .. اقترب منها .. احتضنها بقوة شديدة .. وأغمض عينيه .. وكاد أن يقبلها .. ولكن مايا .. أبعدته عنها بقوة .. أحس بشار أنها خائفة منه .. ابتعد .. وخفت حماسته .. فقالت : آسف .. لم أكن أقصد .. فنظرت مايا في يديها .. وانسدل شعرها على كتفها في نعومة .. فقال بشار حتى لا تطير حماسته : لقد وجدناها يا مايا .. اكتشفنا العقار أخيراً .. نظرت له مايا مستفهمة .. جلس جوارها .. وأخذ يتكلم في انفعال شديد : كنت أنا والدكتور ميان نعمل على هذا البحث منذ زمن بعيد .. لقد اكتشفنا الطريقة .. سوف تنجين بإذن الله .. لم تفهم مايا بإذن الله أبداً .. ولكنها ابتسمت وقالت بتساؤل حقيقي : حقاً ؟ قال لها ووجه محمر من كثرة الانفعال : طبعاً .. لقد وعدتك بأنك ستعيشين .. مايا .. مايا .. مايا .. أحبك ..
لم يعرف بشار كيف قال لها هذه الكلمة .. ولكنها خرجت في لحظة انفعال .. كان يحس أن الأحداث تمر بسرعة الصاروخ .. أما مايا .. هذا ما سأتوقف عند حدوده في هذا الجزء .. حتى أردت أن أفجر كل معاني التشويق في فن القصة .. لقد جئت إليكم من جديد .. وسطوعي يبرق .. انتظروني ..
بأحداث أكثر تشويقاً مما ظننتم أيها السادة .. كيف كانت ردة فعل مايا؟
ترى .. هل سينجح بشار في علاج مايا ؟
وما علاقة كل هذا بمرض بشار ؟
أين فراس من هذه القصة ؟
وباقي الأطباء ..
أم أنه انتهى عند هذه النقطة | |
|
| |
"بيراوي"رومنسي" المشرف العام
عدد الرسائل : 831 السٌّمعَة : 0 نقاط : 283707 تاريخ التسجيل : 16/06/2009
| موضوع: رد: روايه واقعيه و مره جنان حب في مستشفى الجامعه بجده السبت سبتمبر 26, 2009 3:21 am | |
| الجزء السادس
لقد وعدتك بأنك ستعيشين .. مايا .. مايا .. مايا .. أحبك .. لم يعرف بشار كيف قال لها هذه الكلمة .. ولكنها خرجت في لحظة انفعال .. كان يحس أن الأحداث تمر بسرعة الصاروخ ..
أما مايا .. فأصابها الذهول .. وضعت يديها على فمها .. وهي ترفع حاجبيها .. ثم توردت كلها دفعة واحدة .. حتى أنها أخذت تمسك قلبها وتقول بصوت خافت : يا إلهي .. نظر لها بشار وقال : مايا .. لا تخشي شيئاَ أنا معك .. لأول مرة يحس بشار .. كم هو قريب منها .. لأول مرة .. يحس أنه في عالم آخر .. أحس أنه يهوي في عالم بلا حدود .. في حب بدون كوابح .. أحس أنه يريد أن يطير .. إنه سينقذ الفتاة التي يحبها .. الفتاة التي اعتمرت قلبه كملاك عذب المحيا .. رقيق المفاتن .. لإنسانة لو مررت يديها على الورود .. لتفتحت بتلاتها في الشتاء .. أخذ يتطلع فيها .. وهي لا تكاد تنظر له من الخجل .. كان يستلذ بخجلها .. يحس بها .. كم هي أنثى عذبة ورائعة بحق ..
تبسم بشار .. نظرت له وتبسمت .. وكأنما بريق في العيون تلألأ .. وكأنما كرة شبه شفافة .. أخذت تطوقهما .. وتتسع .. رويداً رويداً .. حتى غمرت الكرة الأرضية كلها .. كان هذا .. إعلان حب ..
الساعة العاشرة صباحاً ..
بشار يجري في الرواق الغربي من مستشفى نينواه .. العرق ظهر في وجهه .. وصل إلى الغرفة .. دخل إليها بسرعة .. كانت صغيرة .. لها سقف منخفض .. وبرودة لا تصدر إلا من تكييف مركزي .. إضاءة خافتة على جمع غفير كان متوجداً .. وعلى ياقات كل معطف .. توجد شارة تحمل اسماً وصورة .. ليكتب فيها اسم الطبيب وصورته .. وتلك النظرات اللامعة .. التي تحمل ورائها الكثير من العلم ..
كان الدكتور ميان واقفاً في صدر القاعة .. أمامه لاب توب من نوع سوني .. ومن وراءه صورة للبروجيكتر .. مكتوب فيها بالخط العريض ..
Gp53 alpha
ولما شاهد بشار .. تهللت أساريره .. أمسك المايكروفون .. وأخذ يقول .. دعونا نرحب بالدكتور العبقري الصغير ..
بشار البدري ..
ومجدداً .. كانت اللغة اليابانية تمسح كل الحروف .. أحس بشار بالحرج .. ولكنه وقف هناك محل الدكتور ميان .. الذي شد على يديه .. وابتسم له مشجعاً .. كان بشار متوتراً إزاء هذا العدد الكبير .. من العيون الفاحصة والخبيرة .. ولكنه وقف .. وشد قامته وقرب فمه من المايكروفون وقال : صباح الخير .. اسمي الدكتور بشار البدري .. المساعد الأول للدكتور ميان منذ أكثر من 8 سنوات في هذا البحث .. Gp53 alpha وبمساعدة الدكتور قمت بتطوير عقار خاص .. سميناه بنفس اسم البحث ..
كما تعلمون .. إن الجينات التي يحملها الإنسان والتي هي موجودة في كل خلية .. مزودة ببرمجة عالية الدقة .. في اختيار وظائفها .. وكما تعلمون أيضاً أن كل جين مسؤول عن عملية معينة .. مثلاً الجين Tp53 "الاسم الحقيقي" والذي يعرف بـ Gp53 يقوم بعملية التدمير الذاتي للخلية .. في حال عدم الاستفادة منها .. أو في حال تلفها .. ويمنع أيضاً انقسام الخلايا بالطريقة المباشرة .. وبالتالي عدم استمرار النمو .. إن استمرت خلايانا في الانقسام المباشر مدى الحياة .. سوف تتضخم أجسادنا إلا ما لا نهاية .. ولذلك كان موجوداً هذا الجين ليقوم بالحراسة والحماية ..
وكما هو معلوم أن الخلية السرطانية .. دوماً ما يختفي عندها هذا الجين ..
كان الكل يستمع إليه في خشوع رهيب ..
وكأنما على رؤوسهم الطير .. بكل اهتمام .. حتى لو سقط منديل على الأرض لربما كان له صوت مسموع .. نظر بشار في الحاضرين حتى يرى انفعالاتهم .. ثم ضغط على لوحة المفاتيح .. لتظهر هذه الصورة ..
وأخذ يقول : على الجهة اليسرى رسم توضيحي لخليه لم ينشط فيها الجين ..
أما الصورة على اليمين توضح .. كيف أنه عندما نشط هذا الجين .. عادت الخلية إلى مسارها الطبيعي .. إما بأن تقتل نفسها .. وإما بأن تصلح نفسها .. وتعدل من وظائفها مرة أخرى ..
وظيفة Gp53 alpha .. تنشيط هذا الجين من الخلايا المجاورة ..
على أن يدخل إليها بواسطة الانتشار البسيط .. عن طريق الغشاء السيتوبلازمي .. ويعمل عملها المفقود .. وبالتالي يعيد النظام إلى الخلية ..
كان تأثير كلام بشار على الحضور عمل السحر في النفوس ..
الصورة الأولى:توضح شكل الخلايا السرطانية .. لمقطع مأخوذ في الكبد .. Hepatocellular carcinoma
أما الصورة الثانية .. فتوضح بداية تأثير العقار ..
بتكوين فجوة هاضمة .. vacuoles مليئة بالعصارات الحمضية الهاضمة HCl
والصورة الثالثة .. توضح كيف أن الخلايا تدمرت .. وبدأت في عملية التدمير الذاتي .. Auto-phagocytosis
نظر إلى الحاضرين .. كانت أعينهم تحملق في الصور في رهبة ..
وبعد لحظات من الصمت .. توقف رجل مسن تبدو عليه علامات الوقار .. وقال : دكتور بشار .. جهد رائع اللذي بذلته .. عندي سؤال هل تسمح لي به ؟
صمت الرجل لبرهة وهو يتأمل نظرات التساؤل في عين بشار .. فقال : ولكن ألا تظن أن الجين BAX2 له دور في هذه المسألة .. إن الموضوع لا ينتهي بـ Tp 53فقط .. أنا أعمل في بحث مطول حول هذا الموضوع من أكثر من 6 سنوات .. وأظن انه لا يكفي أن ننشط الجين وحده دون بقية الجينات المؤثرة ..
نظر له بشار وقال وقد أحس بتوتر طفيف .. رغم إنه يثق فيما لديه من دراية وخبرة في الموضوع .. ولكننا قد جربنا هذا العقار .. أما جين BAX2 فهو خاص بقتل الخلية بطريقة أخرى .. وإننا لو استطعنا أن ننشط جين واحد على الأقل فإن الأمر كافي .. المهم أن نوقف المرض وليس أن نستعيد كل أنظمة دفاع الجسم والجهاز المناعي ..
والدلائل بالصور لديك الآن ..
جمع أنفاسه ووجه خطابه للكل .. كل ما نطلبه أن تتبنى المستشفى تكاليف التجارب الأخرى ..
فقام رجل أصلع الرأس .. يرتدي عوينات .. وبذلة حريرية فاخرة وقال : هذه الخلايا آدمية أم لشامبانزي؟ فقال بشار : لم نستطع أن نوفر شامبانزي .. فكما تعلمون الموضوع مكلف ويحتاج إلى الكثير من الإجراءات .. استعملنا الأرنب لأنه قريب جداً من تشريح جسد الإنسان .. كما أن لجنة حقوق الإنسـ .. قاطعه ذات الرجل وقال : عذراً ولكني لن أستطيع أن آخذ هذه النتائج على محمل الجدية بهذه الطريقة ..
أحس بشار أنه في موقف حرج .. على الرغم من أن نتائج بحثه كانت واضحة .. ولكن الرجل المسن قال : لا بل يؤخذ .. إن هذه النتائج لم يتوصل إليها أحد قبلاً .. ولابد لنا من التجربة على الأقل .. لن نخسر شيئاً .. إن هدفنا خدمة البشر .. والمحاولة في مداواتهم قدر ما نستطيع .. وأن نخفف من معاناة الناس .. كم من إنسان ينتظر مثل هذا العقار حتى ينهي ألمه ومرضه .. أحس بشار بارتياح بالغ لهذه الكلمات .. فتابع المسن وهو ينظر لبشار بسلطة من المؤكد أنه يحملها : أظن أننا سنسمح لك بإكمال التجارب .. ولكن لن نوافق على إجازتها قبل أن نرى النتائج كاملة .. إجراءات الشامبانزي قد تستمر لحوالي سنة .. تستطيع في هذه الفترة أن تبحث في الموضوع .. وتجري المزيد من التجارب .. سادت همهمة كبيرة في الغرفة .. بعدها وقف أحد الحاضرين .. وقام بالتصفيق .. صفق الجميع للدكتور بشار .. الذي وقف في خجل أمام هذا الجمع الغفير من الناس ..
وهو يسمع بعض الأصوات وهي تقول : رائع جداً .. عمل باهر .. وبعد نصف ساعة .. كان بشار يسير متوجهاً نحو غرفة مايا .. وهو يحمل في يديه باقة ورد رائعة .. كان مفعماً بالحيوية .. سعيداً بما حصل اليوم من إنجاز .. دق الباب بلطف .. ثم دخل ووجه مشرق ..
ولكن أمامه .. كانت كارثة إنسانية .. كانت مايا ملقاة على الأرض .. وهي تستفرغ .. تم** طرف ملاءتها .. يبدو أنها سقطت بقوة على الأرض .. لم يشعر بشار بنفسه وهو يرمي الورود على الأرض .. ويجري نحوها بأقصى سرعة ..
الساعة الثالثة ظهراً .. بشار في المختبر .. يجري تحليلاً لعينة حديثة من مايا .. من ورمها في الكبد .. الخلايا بدأت تصبح أكثر شراسة .. المرض في حالة متقدمة للغاية .. والعلاج الكيماوي لا يفيد .. قد لا يعرف البعض .. ولكن العلاج الكيماوي للسرطان .. مسبب كبير لسرطانات أخرى في الجسم .. إذا ما الفائدة من العلاج به؟! تطويل عمر المريض قدر الإمكان .. وفي ذات الوقت إطالة المعانة .. هذه حقيقة مؤلمة لأصحاب القلوب المرهفة .. ولكنها حقيقة .. لا تروق للحالمين أبداً .. الواقع ي**ر أحلامنا على صخوره الحادة ..
اخذ بشار في نفسه يفكر .. إنه كان يأمل أن تصمد مايا قليلاً .. حتى يتمكن من استخدام العقار .. ولكن مستحيل .. لا بد لها من علاج سريع .. لا بد .. أخذ يحس أنه سيفقد الإنسانة التي يحب ..
ولكنه عزم أمره وقرر شيئاً ما .. أغلق مصابيح المختبر .. وتوجه بـخطى ثابتة إلى مايا .. سأل الممرضة عنها قبل دخوله .. فقالت : إنها بخير ..
طرق الباب بلطف .. دخل على مايا التي كانت شاحبة اللون .. وأخذت ترسم أماها لوحة .. جاء بشار إليها .. كانت اللوحة عبارة عن فراشة لتوها خرجت من شرنقتها في تابوت زجاجي ..
نظر لها بشار وقال بألم: مايا .. لم ترسمين هكذا؟ نظرت له مايا وابتسمت بطيبة لا حدود لها .. إلهي .. كيف تمشي هذه العذبة في الدنيا .. دون ألا تسحر العالم من حولها .. كأنـما هي ملاك أبيض .. تمسك في يديها النجوم وتوزعها على باقي البشر ..
نظرت في بشار .. ثم ابتسمت في خجل .. تأملها بشار .. ثم جلس جوارها .. وأخذ يديها .. ونظر في عينيها بعمق .. فلم تتحمل هذه النظرة التي حملت معها حنان الدنيا .. وكأنـما نسي هو الواقع وقال : أحبك .. مال رأس مايا إلى الجهة الثانية وهي في قمة الخجل ..
لحظات حتى عاد بشار لواقعه .. واكتست ملامحه بالجدية وقال : مايا أريد أن أخبرك بأمر .. بقيت مايا ووجها في الجهة الأخرى .. لا يظهر منها إلا شعرها الناعم الفاحم .. وطرف خدها الوضاء .. وقالت : سأموت أليس كذلك ؟ صمت بشار .. وأحس أنه عاجز .. أحس انه لا يقدر على شيء .. أحس بالقهر .. ضغط على يديها وقال : سأنقذك .. لا تقلقي يا حبيبتي .. قالها وهو يضمر في نفسه أمراً .. في صباح اليوم التالي كان بشار متوجهاً إلى وزارة الصحة اليابانية .. في طوكيو .. وبعد رحلة بالقطار من أوساكا إلى طوكيو .. تستغرق 45 دقيقة .. دخل المبنى الأزرق البديع .. وبعد أن استقل المصعد الزيتي اللون .. كان قد وصل إلى رئيس قسم الأبحاث والتطوير الطبي . دخل المكتب وهو يتنهد في قلق ..
كان الوقت قد شارف على صلاة الظهر .. حين كان بشار يستقل القطار عائداً إلى أوساكا .. محملاً بـخيبة أمل كبيرة .. وفي أذنه أخذت ترن كلمات رئيس قسم الأبحاث والتطوير الطبي .. " لا نستطيع أن نعطيك إذناً بتجربة عقار .. لم يتم التأكد منه .. أرواح الناس ليست لعبة .. نحن هنا في اليابان نهتم بمرضانا .. تستطيع أن تجرب ما تشاء على من تشاء في بلدك .. لا أستطيع أن أحملك مسؤولية حياة إنسان ياباني واحد
زفر بشار .. على الرغم من كل الآمال التي كان يعلقها على هذه الزيارة .. ولكن كل شيء ذهب أدراج الرياح .. لم يعرف كيف سيتصرف .. أحس أنه مشلول مرة أخرى .. وقهر عظيم .. وحرقة في صدر عاشق مولوع .. وإحساس بالألم يتفجر في داخله بأسى .. كم يتمنى أن يعطيها عمره لتعيش بدلاً منه .. أحس بدمعة مرة تعتلي جفنه .. ولكنه أخفاها بمهارة في كمه ..
عاد إلى المستشفى .. وهو يحمل في صدره غصة لا حدود لها .. دخل المستشفى .. بـخطى ثقيلة للغاية .. حتى استغرب كل من كان يعرفه .. ما كان بشار يدخل هكذا أبداً .. لطالما كان المرح والسرور يغمر محياه كلما .. بل كم وكم وزع أملاً لأصحاب القلوب المحبطة .. كان محبوباً بحق لظرفه .. وخفه دمه .. وبساطته وأريحيته في التعامل .
ولكنه ذلك اليوم لم يكن يأبه لشيء .. لم يكن يأبه إلا أن حبيبته ستموت .. وهو .. سيقف متفرجاً على المأساة ..
دخل غرفته .. وجلس فيها .. وهو لا يهتم بالأوراق التي داسها بقدمه .. جلس ووضع رأسه بين كفيه .. أحس بالمرارة .. ثم أسند رأسه للجدار .. وبعد لحظات راح في شبه غفوة .. إنها تلك الحالة التي لا تنام فيها ولا تكون متيقظاً .. تلك الساعة التي تنامها وتحس بعدها بأفظع الآلام في رقبتك .. وتمر عليك فيها الكوابيس التي لا تتذكرها أبداً ..
نهض بشار وهو يلهث من فرط الإرهاق .. والعرق يتصبب على ياقة قميصه .. أحس بحرّ شديد ..
ولكن فكرة ما .. لمعت في رأسه .. أخذ ينظر هنالك البعيد باهتمام شديد .. أخذ يفكر ويفكر ويفكر .. وأطال التفكير .. والتمعت عينيه ببريق حاد .. ولدت في عقله فكرة جهنمية .. كان مصمماً على إنقاذ مايا وبأي ثمن .. قام من كرسيه وأخذ يجري .. حتى وصل إلى غرفة مايا .. دخل الغرفة .. نظر إلى مايا .. التي أخذت تنظر فيه بدهشة .. أمسكها من كتفيها وقال : مايا .. هل تثقين في ؟ نظرت له وقالت : بشار .. ما الموضوع ؟ نظر لها بشار وابتسم لحظة ثم قال : أول مرة تقولين بشار بدون ألقاب .. ابتسمت مايا وأشاحت بوجهها .. فقال لها بشار : لأجل هذه الابتسامة الخجولة .. أبيع عمري ..
وكان هذا الذي حصل بحق ..
ترى كيف كان ذلك ؟ هذا ما سنراه في الجزء القادم .. "كيف التشويق بس؟؟؟ " في الحلقة الجديدة من ..
حب في المستشفى الجامعي | |
|
| |
"بيراوي"رومنسي" المشرف العام
عدد الرسائل : 831 السٌّمعَة : 0 نقاط : 283707 تاريخ التسجيل : 16/06/2009
| موضوع: رد: روايه واقعيه و مره جنان حب في مستشفى الجامعه بجده السبت سبتمبر 26, 2009 3:21 am | |
| الجزء السابع
كانت همسة تطالع بشار .. الذي توقف عن سرد القصة قليلاً .. فقالت بفضول شديد : ماذا فعلت ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟ أخذ بشار ينظر لها بتأمل .. كانت تجلس في الكرسي .. وتحتضن في يدها وسادة .. ونصفها العلوي متجه نحو الأمام في اهتمام شديد .. ورجلها اليمنى تهتز في توتر .. فضحك بشار عليها وقال : لماذا أنت هكذا؟ انتبهت همسة لنفسها وقالت : ماذا؟ ثم عدلت من جلستها .. اخذ بشار يضحك .. كان الباب مفتوحاً .. وكانت أصوات أقدام الممرضات على الأرض تعلو أحياناً .. قالت همسة : يبدو أن أخوك لن يأتي اليوم .. لن يحالفني الحظ في رؤية فاتنتك منى .. ابتسم بشار وقال : يا الله .. ألهذا الحد قصتي مثيرة للملل .. لا مشكلة .. أستطيع أن أتوقف عن سردها .. قالت همسة برجاء : لا أرجوك .. قل لي ما حصل ؟ ماذا فعلت ؟ نظر لها بشار للحظات ثم قال : بصراحة أنا جائع قليلاً .. قالت همسة : أوووووووووووووووه .. حسناً ماذا تريد ؟ قال لها بشار : هل تدعوني إلى وجبة .. رائع .. ألا يمكن أن أطلب من فدركرز أو تشيليز ؟ نظرت له همسة باستغراب .. ولكنه انفجر ضاحكاً وهو يكمل مزاحه : أوووووه لقد نسيت .. تروق لك سندويتشات أبو ريالين من أقرب كافتيريا .. لا تدري همسة لمَ لم توبخه كعادتها .. ربما تعودت عليه .. ربما لأنها أحست بالألفة معه .. وربما لأنه هو الآخر طبيب .. فلم تعد تشعر بفارق في الثقافة كما كانت ترى في السابق .. أم شيء آخر؟ .. لا تدري إلى الآن .. ابتسمت معلنة هزيمتها في حرب الكلام التي لا أظن أن أحداً يستطيع أن يتفوق فيها على بشار .. فقال بشار : لا داعي أنا سأعزمك على وجبة خفيفة .. ولكن همسة ابتسمت وهي تقول : أنسيت أنك قد دعوتني إلى عصير الدواء ذلك ؟ انفجر بشار بضحكة تميزة فعلاً عن غيره .. أخذت همسة تتأمله لوهلة .. فقال : حسناً .. الدور اليوم عليك .. فقالت همسة وهي تقف : ماذا تريد ؟ قال : واحد تشيز برجر بدون جبنة .. قالت وهي تردد خلفه : واحد تشير برجـ .. وقفت تأملت فيه .. وهذه المرة هي اللتي ضحكت .. ثم قالت : أرجوك قل لي .. هل شربت اليوم بنزين ؟ أم ماذا ؟ ضحك بشار مرة أخرى وقال: رائع .. تجيدين الرد .. طيب .. طيب .. سوف أريك .. ابتسم لها وقال : أي شيء .. فقط شيء خفيف .. مع أي عصير .. فقالت ساخرة : ما رأيك في عصير البرتقال ذلك ؟ فقال : لا أرجوك .. أفضل الموت عطشاً على شربه .. ضحكت همسة وهي تخرج .. وللحظات .. كان تأثير قصة بشار عليها كبيراً .. أحست أنها في عالم غريب .. ولو انها خرجت فكانت في طوكيو .. لما حست بغربة أبداً .. مرت في الرواق .. حتى وصلت إلى الكافتيريا .. اشترت 3 ساندويتشات .. و2 بيبسي .. و2 مياه غازية .. وكيسين من بطاطس ليز .. كانت عازمة على أن توفر مؤنة .. حتى لا يقطع عليها القصة مرة أخرى .. وعند الحساب .. وجدت طفلة صغيرة تقف في الصف .. وجوارها شاب متأنق جداً .. كانت الساعة الثانية بعد منتصف الليل .. كانت الصغيرة تلبس فستاناً ابيضاً صغيراً إلى الركبتين .. كانت سمراء جميلة .. وأخذت تجتهد وهي تحاول أن تصل إلى الطاولة التي يحاسب عليها العامل الهندي .. وهي تتطلع بعيون متلهفة في الحلويات .. أحست همسة نحوها بحنان كبير .. في العادة لا تحسه ..
فقالت لها : حبيبتي .. هل تريدين من هذه الحلوى ؟ فنظرت لها الطفلة .. وضعت إصبعها في فمها .. وهي تهز رأسها بالإيجاب .. كان منظرها في غاية الروعة .. فاشترت همسة أيضاً الحلوى وأهدتها لها .. وحملت أغراضها ومشت .. وبينما هي تمشي .. جاءتها الفتاة مسرعة وهي تقول : أبلة .. أبلة .. نظرت فيها هسمة بحنان .. فأتت لها الفتاة وهي تمد يديها وفيها شيء .. أخذت همسة الورقة بعد أن هبطت على ركبتيها .. فقرأت فيها : 056XXXXXXXX فارس .. نظرت همسة .. في الورقة .. قم أخذت تتأمل الشاب بعيون قاسية .. كان الشاب يتصنع الخفة والظرافة .. ويطالع بابتسامات متكلفة .. فنظرت همسة مرة أخرى في الطفلة وقالت لها : قولي لعمو فارس .. إنت قليل أدب .. فقالت الطفلة في براءة : من هو عمو فارس؟ فقالت همسة : ذلك الواقف هناك .. فقالت : ذلك خالو بكر .. قالت همسة بسخرية : بكر ؟؟؟!!!!!!!! ثم قالت لها مرة أخرى : حبيبتي قولي لخالو بكر .. أنت قليل الأدب .. قالت الفتاة بحماسة وهي سعيدة : طيب .. ثم أخذت تجري إلى خالها .. ومشت همسة .. وهي تسمع البنت تقول لخالها بصوت عالي : خالي .. البنت تقول لك .. أنت قليل الأدببببببببببببببببب .. ضحكت همسة .. راق له ما فعلت .. وأحست أنها تفعل شيئاً تمليه عليها طبيعتها الفعلية .. لا تدري لم أصبحت مؤخراً مختلفة .. أصبحت أنثوية أكثر مما كانت عليه .. إنها تؤمن أن الأنثى الحقيقية لا تستطيع أن تناضل من اجل البقاء .. لا تستطيع أن تحمي نفسها من ويلات الزمان ..
توجهت نحو غرفة بشار .. وهي تحمل الأغراض .. دخلت الغرفة .. كان بشار ينتظرها .. فقال لها : يا ساتر .. هذه تكفي لمجاعة الصومال .. ضحكت همسة .. وكأنها لتوها لم توبخ ذلك الأبله .. ثم قالت : حتى لا يكون لك عذر أبداً .. أريد أن أسمع حتى النهاية .. صمت بشار .. وهو يتناول الساندويش .. فتحه وتناول منه قليلاً .. ثم قال : حسناً .. اسمعي ..
" لا .. مستحيل .. أتعقل ما تقول يا بشار ؟" .. كان ميان جالساً في حانة قريبة من المستشفى وهو يقول ذلك لبشار .. أخذ بشار يتطلع في الدكتور ميان .. بقامته القصيرة .. وشعره الخفيف .. وعيونه المسحوبة .. إنه نموذج حقيقي للإنسان الياباني بكل التفاصيل ..
والحقيقة التي لا يعرفها الكثير عن ميان .. أنه يحب شرب الساكي كثيراً جداً .. ( الساكي = خمر ياباني ) وله فيه تقديسة خاصة .. وجو محبب لديه .. لذلك اختار بشار أن يكلمه في هذا الموضوع وهو يعاقر الخمر .. ولكن ما كان يقوله بشار في غاية الخطورة .. نظر فيه ميان مرة أخرى وقال بانفعال .. أطار اللعاب من شفتيه : هل تدرك أنك بذلك سوف تفصل من رابطة الأطباء .. وأن الرخصة سوف تسحب منك .. لو علموا بأمرك ؟ أخذت هذه الفكرة تدور في رأس بشار وتؤلمه بحق فقال: أعلم ذلك .. ولكن لا يهم .. لدي شيء أهم بكثير .. نظر له ميان بطرف عينه .. وهو يرفع رأسه ليلقي بدفعة من الساكي في فيه .. ثم مسح شفاهه بمنديل وقال: بشار .. هذه العواطف .. يجب أن تنحيها جانباً .. عمل الطب سوف يعلمك ذلك .. أحياناً نحن نقطع أيدي أناس نحبهم .. ونشق جلودهم .. ونم** أمعاءهم .. ونصيبهم بشيء من الألم .. بدون أن يطرف لنا جفن .. ليس لأننا لا نحبهم .. بل لأننا نحبهم .. ونود أن نعالجهم من أمراضهم .. ولكن بشار كان عنيداً جداً .. فقال وهو يقف : دكتور ميان .. هل تريد أن تساعدني أم لا ؟ نظر له ميان وفي يده قدحه برهة ثم قال : لا أستطيع .. إن ما تطلبه مني تهور .. ولا أستطيع أن أوافقك عليه .. جمع بشار حاجياته .. خرج من هناك دون أن يضيف كلمة .. وميان لا يزال في جلسته يشرب .. ولكن عقله يدور ..
خرج بشار .. وركب تا**ي .. وهو لا يزال يفكر .. أحس أنه يصارع وحده ..
أس أنه في حالة من الإرهاق .. وأنه يود لو يجلس حتى يستريح قليلاً .. فقط القليل من الوقت .. ولكن لم يكن لديه شيء منه .. لا بد أن يتحرك سريعاً .. لا بد أن يفعل ما بوسعه .. لإنقاذ مايا .. ولما جاءت صورتها في باله .. تنهد .. وقال في نفسه : حتماً سأنقذك ..
دخل المستشفى .. وبخطى واسعة . اجتاز الممرات .. حتى وصل إلى غرفته .. أخذ يبحث في الأوراق التي على الأرض .. جمع منها بعضها .. وجلب صندوقاً كرتونياً .. وهو يجمع أغراضاً معينة .. ثم فتح أدراجه .. وأخذ يضع بعض الكتب والمراجع .. وبينما هو كذلك .. شاهد القرآن ..
كان وجوداً تحت الكتب .. تأمله قليلاً .. ورانت لحظة صمت طويلة .. ثم مد يده في حذر .. وهو يمسك غلافه الأخضر الجميل .. المزين بتلك النقوش الذهبية .. مسح عنه بعض الأتربة التي كانت تعلوه .. لقد وضعه هنا منذ زمن بعيد .. بعيد جداً .. أخذ يفتحه في جلال .. الحق يقال .. أن بشار .. في تلك الفترة من عمره .. التي قضاها في اليابان .. كان بعيداً جداً عن الله .. حتى الصلوات كان ينساها .. أو بالأصح يتناساها متعمداً .. وبدأ هذا الشيء تدريجياً .. خصوصاً في السنوات الأخيرة التي قضاها دون إجازة في اليابان .. منذ أكثر من حوالي 3 سنوات ..
إنه لم يعاقر الخمر .. لم يجرب المومسات .. وإن فكر كثيراً .. ولكن المباديء التي ترسخ عليها في صغره .. كانت تدق له الناقوس تلو الآخر .. وهذا شيء غريب بحق .. على إنسان مبتعد عن الدين .. أو ربما هو بالأصح لم يكن لديه الوقت ليفكر في هذه الأمور . شيء غريب أن تكون بعض العائلات مهتمة كثيراً .. ببعض جوانب الدين .. وتترك أهمها كالصلاة .. ربما لأن تلك تجلب العار .. والسمعة السيئة للعائلة .. وبينما الصلاة لا تفعل مثل هذا القدر !
وضع بشار المصحف فوق الطاولة .. وفتح منتصف القرآن .. وجلس يقرأ قليلاً .. أحس أنه محتاج إلى معونة إلهية ..
وبعد عشر دقائق من القراءة .. أخذ جواله .. واتصل على السعودية .. اتصل على والدته .. التي ردت عليه .. كان الصوت بعيداً .. قالت : بشار .. كيف حالك ؟ بالله عليك .. هان عليك أن تتركنا كل هذه المدة دون اتصال .. لقد قلقنا عليك .. أسبوع بدون اتصال ؟! قال لها وهو يحس بحشرجة في صوته : كيف حالك يا ماما ؟ قالت وقد أحست بقلب الأم التي ينبئها أن هناك شيئاً ما : بشار هل حصل شيء ؟ تنهد وقال : نعم .. أريدك أن تدعي لي .. هناك أمر هام .. وقرار صعب سوف أتخذه .. أدعي لي يا ماما .. فقالت أمه : الله معك يا ولدي .. والله إني أدعو لك في الليل والنهار .. بشار .. برضاي عليك .. الصلاة الصلاة .. ولأول مرة يحس بهذه الكلمات وأن لها معنى ملموساً .. لأول مرة منذ أكثر من ثلاث سنوات .. كانت أمه لا تنفك تقول له ذلك .. في كل مكالمة .. ولكن حجاباً سميكاً كان على قلب تحجر .. فقال لها .. وأحس أن صدره يضيق : إن شاء الله .. فقالت له : متى ستأتي ؟ ألم تتحدد لك إجازة ؟ كفاك عملاً .. لقد اشتقت إليك كثيراً .. عد أرجوك .. وأحس أن والدته قد ذرفت دموعاً .. فقال لها بتنهيدة : حالما أنتهي من هذا الأمر سأعود .. سأعود لمدة طويلة .. فرحت الأم كثيراً وظهر هذا الصوت جلياً في صوتها وهي تقول : أصدقني القول .. متى ؟ فقال لها وهو يغمض عينيه وفي عقله ألف فكرة وفكرة : قريباً إن شاء الله ..
أغلق سماعة الهاتف .. أخذ بقية أغراضه التي يحتاجها .. فتح الكومبيوتر .. بحث في قائمة الملفات .. عن مايا أونيزكا .. وعندما وجد معلوماته .. طبعها في أوراق ..
خرج من الغرفة وتوجه نحو المختبر ..
أخذ بعض أغراضه .. وصور لبعض التحاليل والتقارير .. وأخرج مسرعاً دون أن يحس به أحد ..
طرق باب غرفة مايا بلطف .. "تفضل " انبعث صوتها عذباً .. بلغة يابانية دخل بشار .. كانت مايا كعادتها في فراشها .. كان يبدو عليها شيء من الإرهاق والتعب .. ولكنها لا تزال جميلة .. جلس بشار بجوارها على السرير .. أخذ ينظر في يديه بحيرة .. أحست مايا أن هناك أمراً خطيراً .. فقالت : ما الموضوع ؟ فقال بشار : مايا هل تثقين بي؟ ظلت مايا تطالعه بشيء من الدهشة للحظات .. ثم قالت بخجل : نعم أثق بك .. قال لها : هل أنت مستعدة .. أن تراهني بحياتك على هذه الثقة ؟ أطالت مايا النظر في بشار .. ثم قالت في ثقة : نعم .. أثق بك إلى أبعد مدى .. ظل بشار صامتاً .. ثم قال : مايا هل أنت مستعدة .. لأن أعالجك أنا ؟ نظرت له باستغراب وقالت : ولكنك أنت تعالجني .. فقال لها : لا .. مايا هناك عقار جديد .. قمت أنا والدكتور ميان بتطويره .. ولكنه تحت البحث .. ولا يحق لنا أن نعمل عليه لأنه غير موثوق به .. ولم يوافقوا لي بأن أستخـ .. قاطعته مايا وهي تقول بهدوء : هل أنت الذي صنعته ؟ توقف قليلاً ثم قال : أجل .. ابتسمت مايا وقالت :
بشار .. أنا بين يديك .. افعل ما تريد .. لك الحرية المطلقة .. فأنا أثق بك .. لأني .. لأني .. أحبك ..
قالتها مايا ونزل رأسها وصارت لا تقدر أن تنظر في بشار من شدة الخجل ..
أما بشار فأحس أن قلبه يخفق بشكل غير عادي .. إنها أول مرة تقول له هذه الكلمة .. لقد قالتها أخيراً .. نهض بشار من فوق سريرها .. وهو يكاد يجن .. جلس فوق الكرسي .. وجهه في قمة الاحمرار .. أمسك قلبه وقال بالعربية : يا الله .. قلبي .. ما كل هذا الخفقان .. أحس أن قلبه يكاد يتم** من قوة الضربات .. ثم نهض مرة أخرى .. أمسك يدها .. التي كانت كال**دة الطازجة .. قبلها .. وهي لازالت في دوامة من الخجل .. نظر لها وقال : أحبك .. فابتسمت .. رجع بشار إلى المنزل .. جلس فيه وحده .. سيخاطر بحياته .. ولكن من اجل من ؟ من أجل من تعني له الحياة كلها .. سيخاطر بمستقبله المهني .. كل هذه السنوات سوف تضيع هباءً منثورا إن فشل العلاج .. ولكن ليس هذا المهم .. المهم أن ينقذ مايا .. تنهد بعنف ثم نظر إلى الساعة .. كانت قاربت على الثامنة ليلاً ..
كان يحس بقلق بلا حدود .. وفجأة .. تذكر كلام والدته .. دخل الحمام .. واغتسل .. أحس أن هناك سواداً كان متعلقاً فيه .. بدأ يخرج من جسمه .. توضأ في حمامه .. ثم خرج .. لبس ثوب نوم سعودي .. لا يدري لم فعل ذلك .. ولكنه كان يريد بشدة .. ربما رغبة منه .. في أن يحس أنه مازال مسلماً .. ربما كي تعود به الذاكرة حين كان في السعودية .. ويحس بالعهد الذي مضى .. إنه ليس جاحداً .. أو منكراً للصلاة .. ولكنه كان متهاوناً في أمرها .. بدأ في صلاته .. أحس بهدوء رهيب .. وهو يقرأ القرآن بصوت عالي .. أخذ يحس أنه يطير .. وأنه لا يريد أن ينتهي من صلاته .. وانه يريد أن يبقي له ما تبقى من عمره في صلاة وعبادة .. ركع .. وسجد .. أخذ يدعو الله أن يوفقه في أمره .. أحس أن الله قريب منه .. قريب منه جداً .. أحس أن الله يسمعه بحق وهو يناجيه .. إحساس قلما يحس به أحدنا والله .. اختتم بشار صلاته .. وعينيه رطبة .. لم تنزل دموعه .. ولكنها أوشكت .. أحس بنقاء لا حدود له .. وراحة نفسية .. تملأ كل جزء من كيانه .. كما لو كان نوراً يملأ روحه كلها .. أحس أن لا شيء في هذه الدنيا مهم .. قرر من ذلك اليوم .. ألا يفوت ركعة لله .. ثم أقفل مصابيح غرفته .. وغط في نوم مرتاح البال ..
الساعة السادسة صباحاً .. خرج بشار من بيته مبكراً قبل مواعيد الدوام الرسمية ..
| |
|
| |
"بيراوي"رومنسي" المشرف العام
عدد الرسائل : 831 السٌّمعَة : 0 نقاط : 283707 تاريخ التسجيل : 16/06/2009
| موضوع: رد: روايه واقعيه و مره جنان حب في مستشفى الجامعه بجده السبت سبتمبر 26, 2009 3:22 am | |
| بعد أن صلى الفجر .. جميل هو الإحساس في بداية الرجوع إلى الله .. يحس الواحد أنه مقبل بكيانه كله .. بطريقة قد لا يقدر عليها بعد سنوات من الاستمرار في هذا الطريق .. وصل إلى المستشفى .. توجه إلى غرفة المدير .. ووضع ورقة على مكتب السكرتير .. الذي لم يكن موجوداً وخرج .. كانت الورقة .. طلب إجازة سنوية .. لمدة شهر .. وهي أمر لم يقم به بشار من أكثر من سنتين من العمل المتواصل .. ذهب إلى غرفة مايا .. طرق الباب بلطف .. كانت مايا .. جاهزة .. وكانت قد وقعت ورقة .. تخلي فيها مسؤولية المستشفى عنها .. بعد أن وقعت ورقة بالخروج منها .. ولكنها قبل أن تخرج مع بشار .. قالت له : لن أبقى في الفندق القريب من بيتك .. وقف بشار وقال لها : مايا إنه المكان الأفضل طالما أنت لا تودين المكوث في شقتي .. رغم أنك قلت لك أني لن أقيم معك.. ولكنها قالت : هناك مكان أفضل .. نظر فيها بتساؤل .. فقالت : عند أهلي في الريف .. نظر لها وقال : ولكن هل سيوافـ .. قاطعته وهي تقول : لقد كلمتهم .. وقد أعددنا لك غرفة خاصة .. ثم صمتت بعد أن قالت بحزن : لو مت أريد أن أموت بجوار أهلي يا بشار .. نظر لها بشار .. وأحس في عينيه حريق الدموع .. ثم قال :
مايا .. سوف تعيشي .. لن أخذلك أبداً .. صدقيني سوف تعيشي .. ثم أشاح بوجهه .. وقال لها وهو يمشي أمامها .. هيا بنا .. مشت مايا معه .. ولكنها قبل أن تخرج من الغرفة قالت : توقف .. نظر لها بشار .. توقفت مايا .. وأخذت تتأمل الغرفة في لحظة صمت .. ثم قالت : هذه الغرفة .. أول مكان كان للقائنا .. أول مرة قلت لي فيها أحبك .. وأول مرة قلت أنا لك فيها أحبك .. سأشتاق إليها كثيراً .. هذه هي أروع ذكرى في حياتي .. أخذ بشار يتأملها .. كانت كعادتها مذهلة .. بل أكثر من ذلك بكثير ..
أخذ بشار .. يتأمل من نافذة القطار .. وهو يقول .. مستحيل .. رائئئئئئئئئئئئئع .. سبحان الله .. ابتسمت له مايا .. فقال بشار بحماس : إنه تماماً مثلا أفلام الكرتون .. الطبيعة هنا بحق خلابة .. قالت مايا مبتسمة : إنك لم ترى الجبل بعد .. ستعرف أن كل الذي قد رأيته في صغرك .. كان من وحي الحقيقية تماماً .. أهلي يسكنون في الريف الياباني .. في مقاطعة شياو .. إنها جميلة جداً .. ثم أخذت هي الأخرى تتأمل من النافذة وتقول بصوت منخفض : كم اشتقت إلى المنزل .. كانت الغابات الخضراء .. تملأ المكان كله .. والأشجار الجميلة .. عالية رائعة .. والسماء الزرقاء .. عذبة جميلة .. وفي نهايات الأفق تطل عليك الجبال الم**وة بالثلج .. منظر في قمة الروعة .. ما يجعله ملهماً لكتابة قصيدة يكثر فيها الوصف .. ولم يكن يعلم بشار أنها لمحة من جمال الطبيعة اليابانية ..
وبدأ يحس أن قرار مايا كان صائباً باختيار الريف حتى تساعدها حالتها النفسية على العلاج بشكل أفضل ..
يظن البعض أن العلاج الكيمائي وحده هو المهم .. ولكن الدراسات أثبتت غير ذلك .. إذ إنه من المهم .. أو تكون النفسية في حالة جيدة .. بل إنها لها دور كبير جداً في هذا العلاج.. ولعل هذا يفسر بمثال بسيط: 30% بالمائة من تأثير الدواء هو تأثير نفسي .. كما ذكر رئيس أكبر شركة لإنتاج الأدوية في مقابلة مع لاري كنج مذيع CNN الشهير ..
وعندما توقف القطار .. نزل بشار مع مايا .. وفجأة وجد بشار شاباً يجري باتجاه مايا .. كان نحيلاً .. ملامحه بسيطة إلى حد مثير .. له شعر قصير .. ويرتدي جينزاً أزرق اللون .. وفلينة بيضاء .. وما إن رأته مايا حتى احتضنته .. وبدا على محيا ذلك الشاب .. الفرح والسرور العميق .. ثم جاء إلى بشار .. وانحنى أمامه .. بتلك التحية اليابانية المعروفة .. أومأ بشار برأسه دون أن يحني رأسه .. مشيا سوياً .. وذلك الشاب يحمل كل الحقائب .. حتى وصلا إلى سيارة أجرة .. وهو لا يكاد يوقف الحديث مع مايا .. فقالت مايا وهي مبتسمة إلى بشار .. هذا أخي ساندو .. وقالت لأخيها : هذا هو الدكتور بشار .. فقال ساندو : باااااشار .. ضحك بشار وهمسة من اللفظ الغير دقيق ..
وصل التا**ي إلى بداية غابة .. توقف هناك .. نزل الجميع .. ووقف يتأمل جمال الطبيعة الساحر .. حيث الأشجار بأنواعها المختلفة موجودة .. وبعض الأزهار الحمراء تزهر فوق تلك الأغصان في منظر فتان .. كان السير داخل الغابة العشبية مغري بكل ما تحمل الكلمة من معان .. قال بشار بحماس : أين المنزل ؟ نظر ساندو إلى مايا نظرة متسائلة .. فقالت مايا : قد يطول بنا السير قليلاً .. هل أنت مستعد ؟ فقال بشار وهو يحس بمتعة لا حدود لها: بالطبع مستعد .. ما دمنا سنسير وسط هذه الغابة .. وفعلاً .. بدؤوا المسيرة .. وبشار لا يكف عن التأمل .. كيف لم يزر مثل هذه الأماكن وهو على الأقل يدرك أن بعضها قد يكون موجوداً .. لم فضل المدينة الصاخبة .. على هذه الطبيعة الرائعة .. التي تشتهي فعلاً أن تجلس فيها إلى الأبد .. شاهد سنجاباً صغيراً وهو يتسلق شجرة .. أخذ يتأمله .. كان أحياناً يشاهد بعضاً منه .. ولكنه قريب منه جداً هذه المرة .. أخذ السنجاب .. يختبأ في حفرة في الشجرة .. غير منتظمة المعالم .. ويتأملهم في خوف .. كل هذا متعة بطريقة خاصة .. مضى بهم المسير ساعة من الوقت ..
وفجأة .. تناهى إلى بشار .. صوت شلال .. فقال لمايا : هل هذا ... ؟؟؟ فقالت مبتسمة ببراءة : نعم إنه شلال .. فنظر فيها بشار في دهشة وقال : يوجد شلال بالقرب من بيتكم .. فقالت مايا : إنه شلال صغير .. ومنزلنا يقع عند مصب الشلال الذي يستمر بعد ذلك نهراً .. ابتسم بشار .. حتى ظهرت ضواحكه .. وهو يحس بسعادة لا حدود لها ..
وفعلاً ..
انتهى بهم الطريق ..
إلى تله هناك .. جوار مصب الشلال ..
وفي نهايتها منزل مصنوع من الخشب ..
بالشكل التقليدي لبيوت اليابانيين ..
السور الحجري القصير ..
السقف المثلث الشكل ..
مجسمات التنين على أطرافه
والساحة الكبيرة النظيفة ..
دخل بشار ..
وكان والدها ووالدتها بانتظارهم ..
أخذت مايا تجري نحو والدتها ..
وتعانقها في حب ..
كانت أمها تلبس الزي الياباني النسائي الشهير .. بلون أزرق جميل ..
وأبوها أيضاً .. ذلك الزي الياباني ترابي اللون
ويرتدي سيفاً ..
أحس بشار منه بالخوف في البداية ..
ولكن ما لبث أن عرف لاحقاً أنها مجرد شكليات ..
كانت مايا وساندو هما الابنان الوحيدان لهذه العائلة.. رحبت العائلة ببشار بحفاوة كبيرة .. وأعدو له غرفة خاصة .. وكعادتها تتميز ببساطتها الشديدة .. والحواجز التي لا يظهر من ورائها الخيال عند إضاءة المصابيح ..
وبعد أن رتب أغراضه في الغرفة الصغيرة .. سمع حشرجة عند الباب .. ثم مد ساندو رأسه من الباب وقال بابتسامة : الغداء جاهز ..
جلس بشار .. وهو يتأمل المائدة الشهية .. سوشي .. وترياكي .. وبعض من النودل = المكرونة وكلها طبعاً مطبوخة بطريقة معينة .. وقطع من سمك السلمون اللذيذ .. أحس بشار بألفة غريبة للوهلة الأولى .. كانوا ودودين ولطفاء .. راق لهم بشار .. بخفة دمه .. وطريقته المرحة في الحياة ..
وبعد انتهاء الطعام .. توجه بشار إلى غرفته .. كانت الساعة قد شارفت على الثانية ظهراً .. قرر الصلاة .. وأحس أنه يود أن يقوم بأمر ما .. خرج من المنزل .. بعد أن أخبر ساندو .. وتلمس طريقه .. حتى وصل إلى النهر .. وجلس يتأمل ماء الشلال الذي ينهمر بغزارة من الجبل الصغير .. وحين يصطدم الماء بالنهر .. منظر في غاية الروعة .. لا تستطيع الكلمات أن تصفه .. ولمح خيالاً لقوس قزح .. نتيجة لانعكاس ضوء الشمس .. والأحجار في قاع النهر في تمام صفاءها .. والرذاذ المتطاير في جمال فائق .. منظر بديع .. يكفيك أن تبقى له متأملاً طوال حياتك .. كم ود لو يستحم فيه .. إنه حلم راوده منذ الصغر .. منذ كان طفلاً صغيراً .. كان يريد أن يفعل ذلك .. ولكن ليس الآن ربما لاحقاً .. وبدأ يتوضأ من ماء النهر .. يا الله .. إنه بارد بحق .. بارد جداً ..
ولكنه كان يستلذ بذلك بحق .. يستلذ بالوضوء الذي ما حلم أن يفعله بهذه الطريقة الرائعة ..
وبعد أن انتهى ..
رجع مرة أخرى إلى المنزل ..
وشاهدمايا ..
يا للجمال ..
يا الللللللللللللللللللللللللللللللللللللللللللل له ..
لأول مرة شاهدها تلبس اللباس الياباني الكيمونو ..
كانت جميلة .. جميلة .. جميلة ..
بل فاتنة .. إلى حد الصمت ..
كانت ترتدي ثوباً أبيضاً ..
عليه رسوم لزهور عباد الشمس باللون الأحمر كبيرة الحجم ..
ولردائها حدود حمراء اللون غاية في الأناقة ..
وتلبس في قدميها ..
صندلاً خشبياً مألوفاً ..
وقدمها مثل المرمر .. يتلألأ فيه ..
ويديها كأنما هي قطن طبيعي فتان ..
ووجهها كأنما الفجر إذا أشرق ..
وشعرها الأسود اللامع يتمايل مع نشيد الرياح بكل أنوثة ..
لم يشاهد بشار في حياته شيئاً كهذا من قبل ..
حتى النهر والشلال ..
لا .. إن ما هو أمامه ..
أروع وأجمل وأحلى بمليون مرة .. كان يحدق فيها بطريقة .. زادتها خجلاً .. فوضعت سبابتها في فمها في خجل .. وأخذت تعض عليها في دلع .. فأحس بشار أنه يكاد أن يفقد وعيه .. كان الخجل يرسم في خديها .. تفاحة حمراء .. وينبت حقول الورد في شفتيها .. ويخفض في رأسها دلال وأنوثة لم يحلم بها رجل رومانسي أو كاتب .. أحست مايا أنها لا تستطيع أن تتحمل نظرة بشار .. فدخلت إلى المنزل مرة أخرى وهي تجري خجلة .. بشار مد يده كأنه يستوقفها .. دون أن ينطق بشيء .. فقط فتح فمه .. وظل لدقيقتين واقفاً في محله .. من فرط دهشته بهذا الجمال الأخاذ .. ثم نفض عنه كل هذا وقال : يا الله .. سبحان الخلاق البديع .. دخل غرفته .. مرة أخرى .. وهو في حالة سكر .. ولكنه نفض عنه كل تلك الأفكار جانباً .. حتى يصلي وبدأ يصلي .. ويسبح الله .. ويقرأ شيئاً من القرآن وهو يتمتم .. ويسجد .. ويدعو الله .. وأحس أنه نسي للحظات فقط ..كل ما مر به للتو .. سلم عن يمينه وعن يساره .. ثم قام بعد أن رفع سجادته .. ولكن .. وجد مايا وعائلتها كلها تنظر له بدهشة بالغة للحظات .. ثم .. ظهرت ملامح عدائية في وجه الأب وهو يصرخ .. ما هذا الذي تفعله ؟؟؟؟؟؟؟؟؟
ترى كيف سيتعامل أهل مايا مع إسلام بشار .. هل ستكون هذه نهاية الطريق .. وبذلك تنتهي هذه العلاقة ؟ وما علاقة كل هذا بمرض بشار ؟ أين دور د.فراس من القصة وبقية الأبطال .. أم أن القصة هي قصة بشار وهمسة ؟
تابعوني .. فسوف تعرفون الكثير .. وما زال بجعبتي الأكثر والأروع .. والمدهش لكم مني كل تقدير واحترام | |
|
| |
"بيراوي"رومنسي" المشرف العام
عدد الرسائل : 831 السٌّمعَة : 0 نقاط : 283707 تاريخ التسجيل : 16/06/2009
| موضوع: رد: روايه واقعيه و مره جنان حب في مستشفى الجامعه بجده السبت سبتمبر 26, 2009 3:22 am | |
| الجزء الثامن
كان بشار يجلس في غرفة المعيشة البسيطة ..
وكوب من الشاي في يديه ..
يتأمل خيال صفحة وجهه على سطحه ..
ثم نظر أمامه ..
كانت عائلة مايا كلها تنظر فيه ..
الأم تجلس وهي تنظر إلى الأرض في تفكير عميق ..
والأب يجلس يحك رأسه وهو يفكر ..
وساندو يقف صامتاَ عند الباب متكأً عليه دونما نظرة ذات معنى ..
أما مايا .. فلم تنزل عيناها من على بشار ..
تتأمله في شيء من الدهشة ..
كيف لها ألا تعرف كل هذا عن بشار ؟!
ولكن لم يكن بينهم الشيء الكثير ..
لعل الشيء الكثير لم يتجاوز حتى بضعة أيام ..
وإن كانت أطيافه قبل ذلك بمدة أطول قليلاً ..
وقفت مايا ..
عبرت الغرفة الواسعة حتى وصلت إلى بشار ..
تعلق أبصار الوالدين بها .. وهما ينتظران أن تقول شيئاً ..
قالت مايا :
وهي تنظر إلى أهلها :
له دين مختلف ..
وماذا في هذا ؟
إنه هنا لعلاجي كما تعلمون ..
لقد قام بهذا الشيء دونما ثمن ..
ألا يستحق أن نمنحه حريته الشخصية ..
فقال الأب بجدية :
مايا مرضك ليس بالخطير ..
حدق بشار فيه باستغراب ..
وهم بالكلام ..
ولكن مايا وضعت يدها على كتفه .. وضغطت عليه قليلاً وهي مازالت تنظر لوالدها ..
فكر والدها قليلاً ..
ثم تنهد وقال :
معك حق .. إنها حريته الشخصية ..
وله الحق في أن يفعل ما يريد ..
ولكنه نظر إلى بشار وقال بجدية بالغة :
هل دينك هذا فيه شيء من السحر الأسود ؟
لقد رأيتك تتمتم ببعض الكلمات الغريبة ؟
فقال بشار وهو يرفع أحد حاجبيه مستنكراً : سحر أسود ؟
لا لا .. ديننا يحرم السحر بكل أنواعه ..
بل من يستخدم السحر يعتبر خارج دائرة الإسلام ..
فقال السيد أونيزكا :
إن كان كذلك فلا بأس به أبداً ..
ثم خرج من الغرفة .. واخذ معه ساندو ..
وبعض لحظة صمت ..
جاءت أم مايا وقالت لبشار :
لا عليك .. إنه هكذا .. ولكنه بعد لحظات سوف ينسى كل شيء ..
ابتسمت له بلطف ..
نظر فيها بشار وابتسم ..
كم تشبهها مايا كثيراً ..
لا بد أن والدتها كانت في أيام صباها جميلة جداً ..
ثم خرجت الأم هي الأخرى ..
ولم يتبقى سوى مايا وبشار ..
كان صوت العصافير مغرداً في الخارج ..
وشجرة تفاح في الحديقة ..
يتسرب ضوء الشمس من خلالها .. ويلقي ببعض الضوء على الغرفة الخشبية ..
جلست مايا أمام بشار ..
وابتسمت ..
وأحس بشار أنه رغماً عنه يبتسم ..
ولكنه ما لبث أن تذكر شيئاً هاماً فقال لها :
لمَ لم تخبري أهلك بأنك ......... ؟
نظرت فيه مايا ..
ضمت شفيتها في إحباط وقالت :
لقد أخبرتهم .. أني مصابة بفيروس ..
وأني أحتاج إلى النقاهة فقط ..
فقال بشار : لماذا ؟
وقفت مايا .. وتوجهت نحو الباب ..
وكان ضوء الشمس .. يغمرها ..
حتى أصبحت مايا كأنها تتلألأ ..
كان ظهرها مقابلاً له وهي تقول : بشار .. أنا البنت الوحيدة لأبي وأمي ..
لا أريد أن ينفطر قلبهما من الحزن ..
ثم لوحت رأسها وقالت ونصف وجهها ظاهر .. تنسدل عليه بعض شعيراتها الفاتنة :
طالما أن هناك أملاً ..
أطالت النظر فيه كثيراً ..
كانت تنظر في عينيه هذه المرة بدون خجل ..
كانت تنظر فيه وكأنما تقول له :
أنا أثق بك ..
وأحس بشار ..
بالكثير والكثير ..
اندفعت في نفسه حماسة ..
وأحس أنه أمام مسؤولية كبيرة ..
أحس بعمق محبة خارقة ..
فأومأ لها برأسه إيجاباً ..
خرجت مايا ..
وأغلقت الباب في هدوء ..
وسارت ووقع خطاها لا يكاد يظهر ..
وهي تلبس في رجليها جوارب بيضاء من الكتان ..
جلس بشار يفكر قليلاً ..
وبعد لحظات ..
أخذ يخرج أوراقه ..
ويرتبها ..
لابد من العمل اليوم ..
ليس هناك الكثير من الوقت ..
هذه الكتب هنا ..
وهذه الأوراق هنا ..
والعقار ..
لا يحتاج إلى درجة حرارة منخفضة ..
بل بالع** ..
يحتاج إلى درجة حرارة متوسطة ..
حتى لا تت**ر الروابط الكيمائية في داخله ..
ولكن إذا زادت درجة الحرارة عن 40 درجة مؤية ..
فإن العقار سيتحول إلى سائل عديم الفائدة ..
لذلك كان لدى بشار مستعداً لهذه الظروف بثلاجة صغيرة زرقاء ..
تعزل الحرارة .. في حال ارتفعت..
وبعد ذلك ..
علق بشار جدولاً ..
فيه مواعيد الحقن والعلاج ..
وبعض مواد التغذية التي لابد أن ترافق هذا النوع من العقاقير ..
علق الجدول بشريط لاصق شفاف على الجدار ..
وقال وهو ينظر بحماس وقوة :
سوف أنقذك يا مايا لا تخافي ..
ابتسم بشار في حجرة المستشفى فوق سريره إلى همسة التي كانت تنظر فيه باهتمام ..
نهض من سريره ..
وهو لم يغير ذلك اللباس الأزرق المم** ..
وتوجه بقدم حافية إلى النافذة وهو يقول :
سوف يؤذن الفجر قريباً ..
ثم تطلع فيها مبتسماً ..
ولكن همسة تجاهلت كلامه وقالت :
ماذا حدث بعد ذلك ..
قال لها وهو يتوجه إلى الحمام ..
بعد ذلك سأتوضأ .. وأصلي وأنااااااااااام ..
لأني مرهق بالفعل ..
ثم ماذا عن مرضاك ؟
ألا ينبغي أن تذهبي إليهم حتى تطمأني عليهم ؟
قالت وهي لا تريد إلا أن تعرف بقية القصة .. قد قتلها الفضول :
ما الذي حصل ؟
أريد أن أعرف ..
ولكنها لم تسمع سوى صوت بشار وهو يتوضأ ..
وصوت الماء وهو يتساقط في المغسلة ..
وبعد لحظات ..
خرج بشار ..
وبعض القطرات تلتصق في ذقنه ..
وهو يمسح يديه بمنديل أبيض .. ثم قال كأنه واعظ :
الصلاة .. الصلاة .. حي على الصلاة .. حي على الفلاح ..
أحست همسة بالغيظ ..
لم لا يكمل ؟
هناك وقت كافي للصلاة ..
فقالت : هل عاشت أم مـ ........
كان بشار متوجها نحو السجادة وهي تتكلم .. حتى إذا ما وصلت إلى سؤالها ..
كبر معلناً بداية الصلاة وقال : الله أكبر ..
وكأنما هي غير موجودة ..
"الحمد لله رب العالمين .. "
اشتعلت همسة حقداً ..
خرجت من الغرفة ..
وأغلقت الباب بشيء من القوة ..
وقالت وهي تخرج :
يا إلهي كم هو يغيظني ..
لا بد أنه يتلذذ في ذلك ..
وذهبت ..
الساعة : 12 ظهراً
اليوم ستبدأ دوامها في الواحدة ظهراً
لذلك عادت إلى بيتها مباشرة بعد أن خرجت من عند بشار ..
صلت في المنزل ونامت ..
استيقظت على صوت الجوال ..
نهضت ب**ل شديد ..
ما هذا الإحساس بالخمول ؟لابد أن بسبب تغيير المواعيد ..
يا إلهي .. أريد أن أنام ..
غطت وجهها بالفراش ..
ولكن بعد لحظات ..
كشفت الفراش ..
وقالت : ما الذي حصل لمايا ؟
لا بد أن أعرف ..
نهضت من فراشها ..
وذهبت إلى الحمام ..
وبعد استحمام سريع ..
ذهبت إلى دولاب ملابسها ..
اليوم .. ماذا سألبس ؟ ماذا سألبس ..
أخذت تفكر كثيراً ..
وهي تضع يدها على وسطها ..
وهناك في الدولاب ..
تناثرت قطع الملابس المختلفة ..
وتظهر من بعضها قطع ورقية ..
تدل على أنها لم تستخدم ولا مرة ..
ولكنها في النهاية وقع اختيارها على البنطلون الذي اشترته من دبنهامز .. بمبي اللون .. عليه بعض النقوش .. وسلسلة في الوسط ..
وأيضاً القميص الوردي .. مكشوف الكتفين .. الذي كان مرسوماً عليه أرنوبة توني تون ..
ولكنها أحست به غير لائق في المستشفى ..
ولكنها كانت ستلبس البالطو على كل حال ..
وبعد صراع فكري ..
بين رغبة دفينة بدأت تظهر مؤخراً بشكل ملحوظ في نزعة أنثوية ..
وبين شخصيتها الحقيقية ..
ولكنها قالت :
دائماً أعمل ما هو مفروض ..
لم لا أعمل ما أريد هذه المرة ؟!
وفعلاً ..
لبست .. ما جعلها في قمة البراءة والأنوثة ..
وخرجت من غرفتها ..
بعد أن ارتدت ساعتها الفضية اللون الرقيقة .. والبالطوا اللامع الأبيض في مهابة وأناقة ..
ونظارتها الطبية ..
كحلية البرواز ..
حتى تناسب عيناها الزرقاوان ..
وقبل أن تطفئ أنوار الغرفة ..
لمحت الدب يقف متفرجاً على طاولتها .. وهو يحتضن القلب الجميل .. بقبعته الناعمة ..
تأملت فيه قليلاً ..
وطارت بها الأفكار بعيداً جداً ..
ولكنها أقفلت الضوء ..
ومشت ..
ولكن عقلها لم يتوقف عن التفكير ..
وصلت إلى المستشفى ..
دخلت ..
ووضعت البطاقة على صدرها ..
ولكنها بعد خطوات قليلة ..
توقفت ..
أحست باحتقان رهيب في وجهها ..
كانت ندى هناك تقف مع فراس ..
وهما يتحدثان ..
وفي عيني ندى نظرة جذلة ..
تضحك .. وهي تدخل بعضاً من خصل شعرها في حجابها البرتقالي ..
وبينما يدها الثانية تمسك بعض التقارير وتحضنها ..
أما فراس ..
كان متكأً على الركن البعيد من طاولة الريسبشن ..
وهو يتكلم ..
أحاسيس مختلطة ..
كانت تمر بهمسة ..
ولا تدري ما تفكر ..
أحست بغضب شديد ..
وفي نفس الوقت حيرة ..
تجاهلتهما ..
وسارت نحو غرفتها ..
ولكن فراس لاحظها في الثانية الأخيرة ..
تابعها ببصره للحظات ..
وندى تتكلم معه بانفعال واضح رغم أنها تحاول ان تخفيه ..
فقال لها بلباقة منهياً حواره وإياها : المعذرة دكتورة ندى ..
لدي بعض الأمور المهمة ..
وذهب ليلحق وراء همسة ..
وتجاهل ندى ..
التي نظرت فيه من بعيد ..
وعرفت أنه يلحق وراء همسة .. بعد أن عرفتها من طرحتها السماوية ..
نظرت في قهر وقالت : ما الذي أتى بكِ الآن ؟
"همسة .. دكتورة همسة "
تجاهلت همسة نداءات فراس ..
ودخلت غرفتها ..
ولكن فراس دخل ورائها ..
نظرت فيه وهي تتصنع أنها لم تره وقالت :
أي خدمة ؟
فقال لها :
احم .. كيف حالك ؟
فقالت وهي تبحث في أوراقها عن أي شيء : الحمد لله ..
صمت فراس قليلاً .. وأحس أنه ضيف غير مرغوب به ..
ولكنه في نفس الوقت شعَر أنه يريد أن يبرر موقفه أمام همسة فقال :
لقد سألت الدكتورة ندى عنك ..
فجلست تتكلم معي ..
ثم ابتسم وقال :
أخبرتني أنك أنت التي أخذت ورقة الأسئلة بعد نهاية الاختبار ليستفيد منها طلاب السنة القادمة ..
كانت لا تزال مستمرة في بحثها ..
أما فراس .. فقد اغتاظ بحق ..
وأحس بأنه يتعطفها في حين أنه لم يخطأ ..
فقال وهو يغادر : أراك لاحقاً يا دكتورة ..
" فراس .."
نظر فراس إلى همسة التي نطقت باسمه دونما ألقاب .. كانت قد ضعت كوعيها على المكتب .. وأمسكت رأسها وظلت تحدق في سطح المكتب برهة ثم نظرت إليه .. وقالت : المعذرة ..
أعصابي مرهقة قليلاً ..
I am sorry of being rude.
قال فراس بعد فترة من الصمت : هل هناك ما أستطيع أن أقدمه ؟
فقالت همسة وهي تومئ بالنفي :
لا .. فقط أحتاج إلى بعض الوقت وحدي حتى أهدأ ..
ابتسم لها فراس ابتسامة جذابة ..
لم تجد همسة بداً من أن تبتسم لها ..
وصغرت عيناها .. فبدت أجمل كثيراً ..
فقال فراس وهو يمشي مغادراً : سبحان الله ..
ابتسمت همسة في خجل ..
جلست تحادث نفسها :
"همسة .. لا بد لك أن تحددي ..
فراس .. أم ..
أم من ؟
وجدت عقلها يتوقف عندما وصلت إلى بشار ..
بشار ؟!
أيعقل أني أحب بشار ؟
لا غير ممكن ..
كيف أحب شخصاً ..
يستعذب مضايقتي ..
كيف أحب شخصاً ..
قد يموت ..... "
عندما وصلت إلى هذه الكلمة ..
انقبض قلبها بقوة ..
حتى أحست أنه يُعتصر ..
"لا .. لا أريده أن يموت ..
بشار يموت ..
لا مستحيل ..
إذا فأنا .........
لا .. غير ممكن .. "
أخذت تفكر بعمق شديد ..
حتى أنها أغمضت عيناها بقوة ..
وأخذت تمسك رأسها ..
مرت عليها لحظة سكون ..
ثم فتحتها ..
وجدت ندى أمامها ..
بقامتها القصيرة ..
ووجهها السهل الملامح ..
ابتسمت ابتسامة صفراء وقالت : لقد أضاءت المستشفى ..
افتقدناك اليومين الماضيين ..
نظرت فيها همسة بقوة وبنظرات نافذة .. ثم قالت :
كيف تجرؤين ...
قاطعتها ندى وهي تقول : همسة ..
إنك إلى ذلك اليوم لم تكوني واثقة من شعورك ..
قلتي لي .. لا أعرف .. دعيني أفكر ..
همسة .. إن لم تكوني تريدينه ..
فدعيه لي ..
نظرت فيها همسة بدهشة وقالت :
إن لم أكن أريده .. أدعه لك ؟
لست أفهم ..
كأنما أنت تتحدثين عن سيارة .. أو طريدة ..
قالت ندى : همسة .. لم تأخذين الأمور على هذا المحمل ؟
شخص .. يعجبك .. ولكنه ليس الإنسان الذي ترين فيه المواصفات الكاملة ..
دعيه لي ..
قالت همسة بلهجة حادة : ندى .. أأنت جادة فيما تقولين ؟؟؟
قالت ندى : والله جادة ..
فقالت همسة وهي غير مصدقة : الحمد لله على نعمة العقل ..
المهم أنه رجل وهذا يكفي ؟
لا أعرف ماذا تريدين منه !
هل تريدين أن يتزوجك ؟
هل تريدين أن تصادقيه ؟
ماذا تريدي منه بالتحديد ..
فقالت ندى : دعيك مني .. سأفكر فيما بعد ..
ولكن أهم شيء أنك لا تريديه صحيح ؟
قالت همسة حتى تنهي هذا الحوار السخيف :
لا .. لا أريده .. حلال عليك ..
ابتسمت ندى بفرح .. وخرجت من الغرفة ..
أما همسة فجلست تقول : لا حول ولا قوة إلا بالله ..
رجعت ندى مرة ثانية .. وعلى الرغم من أنها سمعت همسة .. ولكنها تجاهلتها .. وقالت :
نسيت أن أخبرك سبب مجيئي ..
الدكتور علي يريد رؤيتك ..
"سوف تنتقل حالة المريض في غرفة 246 إلى الدكتور أسامة آصف "..
نظرت همسة إلى الدكتور علي وهمت بأن تقول شيئاً .. ولكن الدكتور علي قال :
هناك حالات أخرى ..
أنا مهتم بأن تتعلمي منها بعض التقنيات المستخدمة ..
وعلى الرغم من أني غير مقتنع بعملك في اليومين الأخيرة ..
إلا أن التقرير الذي كتبته المرة الماضية
كان رائعاً ومفصلاً ..
أريد أن أرى الدكتورة همسة التي كانت في السابق ..
كان الدكتور علي .. طبيباً بمعنى ما تعنيه الكلمة من معنى ..
أهم شيء في حياته العمل ..
تستطيع أن تضمن أنه سيبذل ما في وسعه من أجل حياتك ..
وأنه سوف يعمل بكل أمانة ..
وعلى الرغم من صرخة حبيسة في صدر همسة إلا أنها تظاهرت بلا شيء ..
وتقبلت الأمر وسلمت به ..
الساعة .. تمر واحدة تلو الأخرى ..
همسة استلمت في يديها حوالي 4 حالات جديدة ..
كلها اشتباه أورام سرطانية ..
عملت جهدها ..
بل أوغلت نفسها في العمل حتى لا تفكر ..
إلا أنها كانت كثيراً ما يأخذها قلبها إلى أماكن كثيرة ..
ويأخذها عقلها .. وتتذكر قصة مايا وبشار ..
ترى ما الذي حصل لها ..
إن كانت حية فأين هي الآن ؟
كانت في غرفتها وهي تفكر هذه الأفكار ..
فتحت درجها لتأخذ منه قلماً لتوقع به على تقارير نهاية اليوم ..
وجدت وردة حمراء كعادتها ..
في رقتها ..
وفي جمالها ..
أمسكتها ..
وأخذت تداعب وريقاتها ..
وتمرر أصابعها الناعمة عليها ..
خرجت همسة من غرفتها ..
كانت الساعة السابعة مساءً ..
دوام الطبيب ..
غير مرهون بوقت معين ..
خصوصاً إذ ما كان طبيباً يريد أن يتعلم ..
قد يبيت في المستشفى لأيام متواصلة ..
ويمضي في التعلم ما يقارب 16 ساعة في اليوم ..
وربما أكثر ..
وهو أمر قد لا يصدقه البعض ولكنه حقيقة ..
وبينما هي تمشي ..
مرت بغرفة بشار ..
فكرت قليلاً ..
أأدخل ؟ أم ؟
ولكنه كان البارحة فظاً ..
حسناً ..
سأدخل فقط للحظات .. لأطمأن عليه ..
لقد كان مريضي ..
دخلت همسة عليه بعد أن طرقت الباب ..
وعندما شاهدها قال : أهلا همسة ..
أين كنت ؟
لقد قلت بأنها كرهتني ..
ههههههههههههه
ابتسمت همسة بهدوء ..
فقال :
أم لأن الدكتور أسامة قد تولى حالتي ؟
نظرت له وقالت : هل تعرف عن هذا ؟
قال لها متجاهلا سؤالها :
ماذا قال لك رئيس الوحدة ..
أظنه الدكتور علي صحيح ؟
لقد قابلته مرة ..
قالت : قال لأنه يريد أن يطلعني عن حالات أخرى حتى أستفيد منها ..
ضحك بشار .. ثم قال : أنا أفضل حالة سوف تستفيدين منها .. صدقيني ..
قالت له : كيف ؟
قال لها : سترين قريباً ..
المهم .. ثم نظر لها بتخابث وقال : ألا تريدين أن أكمل لك القصة؟
نظرت فيه همسة وأظهرت لا مبالاتها وهي تقول :
عادي ..
فقال بشار وهو يضحك : تعجبني ثقتك بنفسك ..
ولكن يعجبني أكثر .. دلالك كأنثى ..
أحست همسة أن الدماء تندفع في أوداجها ..
حاولت أن تتدارك نفسها وهي تقول مغيرة للموضوع :
لقد أنهيت دوامي ..
وكنت ذاهبة إلى المنزل ..
فقال بشار وكأنما لديه كل الحلول لكل المشاكل :
ألا ينفع أن تكوني هنا على أنك زائرة ..
أم الطبيبة ممنوع عليها الزيارة ؟!
فقالت : ولكن ..
فقال : أهم شيء .. أن تدعوني إلى ساندويتش مثل البارحة ..
ساندويتش دجاج بالمايونيز والجزر ..
لذيذ والله ..
ابتسمت همسة وقالت : على شرط ..
أن تخبرني كل شيء ..
حتى النهاية ..
نظر فيها بشار وضاقت حدقته وهو يقول :
هل أنت متأكدة؟
سوف تطول جلستنا ..
فقالت : مستعدة حتى الصباح ..
حتى لو اضطررت أن آخذ إجازة في الغد ..
فقال بشار وهو يرفع حاجبه :
يا الله إلى هذا الحد ..
فابتسمت همسة ..
فقال : إذا عليك بمؤنه كالبارحة .. حتى تكفي ..
وأيضاً لا تنسي سنكرس .. لأني أحبه كثيرااااااً..
ابتسمت همسة ..
جلست همسة .. وفي يديها ساندويتش ..
لم تستطع أن تتناول غدائها مع زحمة العمل اليوم ..
أما بشار .. وضع أمامه ساندويتشه وقال :
هل تريدين أن تسمعي أروع قصة حب ..
وأكثر لحظات الدنيا رومانسية ؟
قالت همسة : بالتأكيد ..
فقال لها : اسمعي إذا ..
وعاد بذاكرته إلى الوراء ..
"بشار .. بشار .. استيقظ .. "
استيقظ بشار على صوت ناعم أشبه بقيثارة تهمس له برفق ..
كان أول ما وقعت عليه عيناه وجه مايا الجميل المحيا ..
كانت واقفة فوقه ..
والفانوس الباهت ينبعث من وراء رأسها ..
كنت شفتيها كحبة كرز كبيرة .. تنتظر أن يقطفها أحد ما ..
وكانت نضارتها تبعث الندى في الروح المتيبسة ..
ابتسمت في وجه بشار وقالت :
صلاة الصبح .. أليس كذلك ؟
نهض بشار من مكانه وجلس في فراشه الأرضي ..
ثم تطلع لها ..
كانت ناعمة بحق ..
في لباسها الناعم والبسيط ..
ثوب من الستان المزين ببعض النقوش اليابانية الرفيعة ..
كانت تجلس وتضع يديها على فخذيها ..
أخذ بشار يتأمل في هذا الجمال لحظة ..
ثم قال لمايا : آسف جعلتك توقظينني في هذه الساعة ..
فقالت وهي تومئ :
لا عليك ..
لقد بقيت أتأملك قليلاً ..
نظر لها بشار ..
فاحمرت وجناتها .. بروعة .. وأصبحت أكثر جمالاً ..
قام بشار وتوضأ ..
ثم قام وصلى ..
ودعا الله في سجوده كثيراً ..
وعندما انتهى من صلاته ..
كانت مايا جالسة تتأمله ..
قالت : جميلة هي صلاتكم ..
ماذا تقولون فيها ؟
قال بشار : نقرأ فيها القرآن ..
قالت : وما هو القرآن ..
قال : كلام الله .. أنزله من فوق سبع سماوات ..
صمتت همسة قليلاً ثم قالت :
مثل ماذا ؟
قال : أتريدين أن أقرأ قليلاً ؟
قالت وهي مبتسمة برقة بالغة :
بالتأكيد ..
قال : حسناً ..
وأخذ يفكر فيما يقرأ لها ..
أخذ يفكر من بين الآيات ..
حتى جاءت في باله آيات من سورة الرحمن ..
فأخذ يرتل بصوت عذب جميل وهو يقول :
للاستماع
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم | |
|
| |
"بيراوي"رومنسي" المشرف العام
عدد الرسائل : 831 السٌّمعَة : 0 نقاط : 283707 تاريخ التسجيل : 16/06/2009
| موضوع: رد: روايه واقعيه و مره جنان حب في مستشفى الجامعه بجده السبت سبتمبر 26, 2009 3:24 am | |
| وهذا التاسع
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
بسم الله الرحمن الرحيم
( الرحمن .. علم القرآن .. خلق الإنسان علمه البيان .. الشمس والقمر بحسبان .. والنجم والشجر يسجدان .. والسماء رفعها ووضع الميزان .. ألا تطغوا في الميزان .. وأقيموا الوزن بالقسط ولا تخسروا الميزان .. والأرض وضعها للأنام .. فيها فاكهة والنخل ذات الأكمام .. والحب ذو العصف والريحان .. فبأي آلاء ربكما تكذبان )
صمت بشار .. وفتح عينيه ..
وجد مايا وهي متأثرة ..
نظر لها فقالت : ما هذا الكلام ؟
قال لها : هذا كلام الله ..
قالت : ماذا يعني ؟
قالت : إنه يتحدث عن نفسه بأنه الإله الرحمن .. يرحم جميع الناس .. وأنه علم القرآن الذي هو كتابه ..
فقاطعته همسة وهي تقول :
كان جميلاً جداً ..
أحسست براحة كبيرة ..
لا أدري من أين ..
أحسست أن الكلمات تدخل روحي فتحملني إلى هنالك البعيد ..
على الرغم من أني لم أفهم شيئاً ..
أكاد أقسم على هذا ..
ابتسم بشار وقال : هذا لا يدهشني ..
إنه كلام الله ..
نهضت مايا وهي تنظر في ساعتها وقالت :
مر الوقت سريعاً ..
لا بد أن أذهب لأوقظ أبي ..
فقال بشار : إلى أين سيذهب ..
نظرت فيه وهي تمشي باتجاه الباب وقالت : إلى الحقل ..
إننا نزرع القمح ..
وخرجت ..
وبعد ربع ساعة ..
كان ضوء الشمس قد آذن بالدخول ..
وبدأ يغمر الدنيا بشيء من التجديد ..
إحساس جميل ذلك الذي ينتابك في الصباح ..
تحس أنه ينفض ال**ل عنك في روعة ..
وصوت العصافير وهي تقف فوق شجرة التفاح وتغني ..
إحساس بهيج لطبيعة سبحان الذي أبدعها ..
كان ساندو ووالد مايا كلهم قد استيقظوا ..
وحملوا أغراضهم .. متجهين إلى الحقل ..
وبعد قليل ..
ارتدت مايا ملابس رثة قليلاً ..
وجاءت إلى والدها .. فقال :
حبيبيتي لا .. ابقي أنت هنا ..
فقالت مايا : أنسيت يا أبي أني تربيت في هذا البيت ؟
صحيح أني كنت في المدينة لفترة ..
ولكني ابنة هذه القرية الصغيرة ..
ضحك الأب وهو يلوك في فمه عوداً طويلاً ..
نظر لساندو الذي ابتسم أيضاً هو الآخر ..
وهموا بالذهاب ..
ولكن بشار وقف وقال : لحظة ..
لن تتركوني وحدي أنا هنا ..
فقال الأب وهو يرقبه بنظرات غريبة :
وماذا تعرف أنت في أعمال الحقل ؟
قال بشار بابتسامة : سأريك ما أعرف ..
خرجت الأم من المنزل وهي تحمل في يديها أربع ربطات ..
في كل منها علبة غداء ..
وقالت : بالسلامة .. ووقفت عند الباب حتى تودعهم ..
وكأنما نغمة يابانية شهيرة جداً ..
في قمة الجمال تعزف لحنها ..
كان الحقل بعيداً بحوالي نصف ساعة من المشي في وسط الغابة البديعة ..
كان بشار .. يحس أنه في عالم خيالي ..
ويحس بمتعة لا يحس بها كثيراً والد مايا ولا أخوها ..
أما مايا فأخذت تنظر في الأشجار وكأنها تسترجع الماضي ..
شاهد بشار زهور الكاميليا ..
فأخذ بعضاً منها ..
ثم جاء عند مايا وقال لها لحظة :
ثم وضع زهرة على أذنها ..
كانت فاتنة عليها ..
ابتسمت مايا في حياء ..
ونظر الأب نظرة شزراء لبشار ولكنه تظاهر بعد الاهتمام ..
وصلوا إلى الحقل ..
كان صغيراً ..
وبدأ أونيزكا بالعمل هو وابنه ..
( أونيزكا هو اسم والد مايا )
أما مايا ..
فأخذت سلة من الخوص ..
وراحت تنثر الحبوب بيديها ..
أخذ بشار يتأملها وهو يكاد يتيه فيها جمالاً ..
بزهرة الكاميليا فوق رأسها ..
والابتسامة التي ما تفارق وجهها ..
وكأنما تنثر السحر فوق الأرض ..
وكأنما هي حين تدوس الأرض بقدميها في الطين ..
تصبح الأرض من تحتها تبرا مطحوناً ..
والشمس تشرق من عندها .. كأنما تنير العالم بضياء روحها ..
"باشاااااااااار "
نظر بشار إلى أونيزكا الذي كان ينظر إليه ويضع يده في وسطه .. وبساعده الآخر بمسح عرقة وهو يقول : أرني ماذا تعرف ..
فقال بشار : بالتأكيد ..
ثم ذهب إلى ساندو وأخذ منه المعول ..
ورفع يده عاليا كما يفعل أونيزكا ..
وألقى به في الأرض ..
ولكنه لم يحسب توازنه ..
فسقط على الأرض ..
فضحك عليه أونيزكا ..
وضحكت مايا وهي تخفي ضحكتها بيديها الجميلتين ..
حتى بشار ضحك على نفسه ..
لم يكن بشار يعرف شيئاً عن الزراعة ..
ولكنه كان يريد أن يكون بجوار مايا ..
وعندما اشتد الحر ..
قال أونيزكا لمايا :
ما رأيك أن تذهبي إلى المنزل ؟
لقد اشتدت الشمس .. لم يبق الكثير من العمل هنا ..
اذهبي مع هذا الذي لا يعرف شيئاً ..
وضحك بسخرية ..
فقال بشار وهو يرد عليه : بلى أجيد الحصاد ..
فقال الأب وهو يمزح : سنخسر الأرض كلها لو عملت فيها ..
كان الأب قد بدأ يتعود على بشار ..
وكما قالت أم مايا : سوف ينسى ..
إنه إنسان على سجيته ..
إنسان الريف .. ما في قلبه على لسانه ..
بساطة .. دونما تعقيدات ..
بلانفاق أو حتى تملق ..
مشى بشار مع مايا ..
في الغابة ..
وهو يحس بنشوة بلا حدود ..
حتى وصلا منتصف الطريق
توقف وقال لها : مايا .. نظرت فيه مايا مستفهمة ببراءة ..
قال لها :
أحبك ..
نظرت له مايا وحدقت فيه .. ثم خجلت .. وصارت تجري ..
وصار بشار يلاحقها ..
وهي تجري وتضحك ..
وصارت تختبئ خلف بعض الأشجار ..
وصار بشار يبحث ..
وعندما يجدها .. يلمسها بطرف إصبعه في أنفها ويقول لها : وجدتك ..
وهي تختبئ من جديد ..
إن أجمل الألعاب ..
هي تلك التي تمتليء بالطفولة ..
بالبراءة ..
بالطهر ..
وفي النهاية ..
أمسك يدها ..
وراح يسير معها ..
ثم نظر في عينيها ..
فأشاحت بوجهها ..
فمد يدها إلى شفتيه وقبلها ..
فسحبت يدها بسرعة في خجل ..
ووضعت طرف بنانها بين أسنانها ..
فابتسم بشار ..
وصلوا إلى المنزل .. وابتسامة عذبة تعلو المحيا ..
وبسمة صادقة من القلب تغمر الفؤاد ..
إحساس لم يحس بشار بمثله قبلاً
وقبل أن يدخلوا من بوابة المنزل ..
وقف بشار على طرف النهر ..
وأخذ يتأمل فيه ..
جاءت مايا وبقيت بجواره ثم قالت : فيم تفكر ؟
نظر لها بابتسامة خبيثة وقال في هذا : ثم سحب يدها وبقوة ..
تشششششششششششششششششش
سقطا في الماء ..
أخذت مايا تضحك ..
كان النهر ضحلاً ..
وكانت مياهه تصل إلى وسطيهما ..
وصار بشار يرشقها بالماء ..
وهي بيديها تبعد الماء البارد عنها ..
وصارا يجريان وراء بعضهما ..
حتى وصلت مايا إلى صخرة واختبأت خلفها ..
ثم توقف بشار وهو يتأملها ..
بلونها الأبيض النقي العذب ..
وكأنما هذا اللون يع** روحها الطيبة ..
وكأنما هذا اللون يجعل منها ورقة بيضاء ..
لا تحمل خطوطاً سوداء ..
تحمل الصفاء والشفافية والعذوبة ..
وشعرها الأسود الفاحم الذي
التصق بوجهها وجبهتها ..
وصارت تزيحه بيديها لتضعه وراء أذنها ..
وابتسامتها التي تحيي القلب اللئيم وتبعث الحب في أوصاله ..
وأصابعها التي من فرط نعومتها ..
يكاد يخشن منها الحرير ..
ويقسو في يدها الورد ..
تلك اللدانة في يديها .. التي ما إن مست الصخر حتى غاصت راحتها فيه ..
كم هي عذبة ..
إنه ليكاد يحس بأريج هالتها الناعمة ..
تجعل النهر سكراً .. وشراب ورد يروى الظمآنين ..
اقترب منها بشار ..
مد يده لها ..
فوضعت أصابعها في يديه ..
فأخذها ..
وصار يراقصها ..
ويدور معها بقوة ..
وهو يمسك يدها في قوة ..
حتى لا تفلت منه ..
وهي صارت تغمض يدها .. وتضحك وهي تصرخ ..
حتى سقطت في النهاية ..
فاحتضنها بشار ..
ونظر في عينيها ..
ولأول مرة بهذا القرب الشديد ..
وأحس أنه فيهما يسافر بعيداً ..
هناك ما وراء النجوم ..
ما بعد مجرة درب التبانة ..
أحس أنه وحده وهي في هذا الكون ..
كم هي عذبة ..
كم هي فاتنة ..
كم هي جميلة بحقققققققققق ..
وهنا أشاحت مايا بخجل ..
وأفلتت من بين يديه ..
ونهضت ..
وخرجت من النهر ..
وخرج وراءها بشار ..
ومرت أيام بعد أن بدأ بشار بالعلاج .. حقنة كل يومين في الوريد ..
وكعادة مايا ..
كانت في حالة من نشوة الفؤاد ..
حين قرأ لها بشار القرآن ..
ولكنها ذات مرة قالت فجأة :
بشار ..
أريد أن أصبح مسلمة ..
نظر فيها بشار بدهشة كمن صب على رأسه دلواً من ماء مثلج ..
ولكنه قال لها في حذر :
هل .. أنت متأكدة ؟
فقالت : نعم ..
ابتسم بشار من قلبه ..
ورقص قلبه جذلاً ..
وقال : الحمد لله
فردت مايا وراءه بعد أن صارت تفهم بعضاً من التعابير الدينية : الهمد لله ..
ضحك بشار عليها ..
فضربت مايا بلطف ودلال وهي تقلب شفاهها .. بحركة طفولية بريئة ..
وبعدها بأسبوع ..
أسلمت عائلة السيد أونيزكا كلها ..
بعد أن اقتنعت بالإسلام ..
ولكن ليس كمايا ..
فأونيزكا وساندو أعجبهما ..
قدسية الصلاة ..
والرهبة التي كانا يحسانها حين كان يصلي بشار أمامهما ..
دين الإسلام ..
دين فطرة ..
يكفي أن يكون القلب صافياً حتى تعتنقه دون مشكلة ..
مضت أيام على إسلام العائلة ..
وبشار كل يوم يعلمهم شيئاً فشيئاً ..
والغريب أن بشار لم يحس بروعة الدين ..
إلا عندما بدأ يبحث فيه هو بنفسه ..
حتى يجيب على أسئلة ساندو أحياناً ..
وصار يقرأ كثيراً ..
حتى يستطيع أن يعلمهم ..
كان سعيداً بهذا الشيء في حياته ..
وفي كل مرة يحس أنه يرتقي نحو الله خطوة أخرى ..
كان يحس بفرحة لا حدود لها ..
إلى أن أتى ذلك اليوم ..
كان بشار قد توصل إلى قراره الأخير ..
عقد عزمه ..
وقرر ..
كان لابد أن يتخذ هذا القرار ..
كان الليل قد أرخى سدوله ..
وكانت مايا وأهلها على وشك النوم ..
ولكنه طرق الباب بلطف ..
دخل بشار ..
وجلس ..
ونظر في العائلة ..
التي ظلت تحدق فيه ..
وطال الصمت ..
حتى بلغ 3 دقائق كاملة ..
قال ساندو : باشااار .. هل هناك شيء؟
جمع بشار أنفاسه ..
حدق في الجميع ..
أحس أن قلبه يكاد لا يحتمل ضرباته ..
جمع رباط جأشه من جديد وقال :
أريد أن أتقدم لأتزوج مايا ..
ونظر في مايا ..
التي علتها دهشة شديدة جداً ..
ثم أغمضت عيناها في ألم لوهلة صمت فيها الكل ..
وفي لحظة اهتزت عينها ..
وتلألأ على خط رموشها بريق خفيف ..
وسالت منها دمعة بلورية خالصة ..
مسحتها بسرعة ..
ثم جرت بسرعة وخرجت من الباب ..
نعم .. ذلك الذي كنتم تخافون منه سيحصل .. سأتوقف هنا .. ترى ما الذي حصل بعد ذلك ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟ ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟ ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟ ؟؟؟؟؟
هذا ما ستعرفونه الجزء القادم إن شاء الله
| |
|
| |
"بيراوي"رومنسي" المشرف العام
عدد الرسائل : 831 السٌّمعَة : 0 نقاط : 283707 تاريخ التسجيل : 16/06/2009
| موضوع: رد: روايه واقعيه و مره جنان حب في مستشفى الجامعه بجده السبت سبتمبر 26, 2009 3:24 am | |
| الجزء العاشر
استيقظت همسة على صباح جديد ..
كان صباحاً مختلفاً ..
فلقد كان ما تنتويه أمر غير عادي ..
"ترى هل ما سأنتويه صحيح ؟
أم ماذا؟
ماذا أعمل يا ربي ؟"
بقيت جالسة في فراشها لمدة تزيد على العشرة دقائق وهي تنظر بعين ثابتة نحو طرف السرير ..
وكأنها لا ترى ..
وبالفعل ..
كان ذهنها يفكر في كثير من الأشياء ..
بعد نصف ساعة ..
كانت في السيارة وهي بطريقها للمستشفى ..
دخلت المستشفى وفي بالها ألف فكرة وفكرة ..
كانت تحس برأسها متخماً بأفكار كثيرة ..
ولكنها لم تعر أيا من هذا اهتماماً ..
وحاولت أن تركز بعملها ..
" دكتورة .. أنت بخير ؟"
التفتت همسة إلى مريضتها التي تراجعها منذ أسبوع لبرهة ..
ثم قالت : نعم .. نعم أنا بخير لا عليك ..
ثم تأملت التقارير وقالت بجدية :
هذا الدواء لا يجدي ..
يبدو أن الميكروب محصن ومتطور ..
سوف أصف لك واحداً آخر ..
أتمنى أن يكون ذا فائدة ..
وكتبت اسماً في "روشتة " طبية ..
ثم أعطتها للمرأة بابتسامة ..
خرجت من عندها المريضة ..
انتظرت همسة لثواني ..
ثم تنهدت وهي تفكر بعمق ..
وتسبح في عالم أسئلتها المتضاربة ..
"هل تسمحين لي أن أدخل؟ "
كان الدكتور فراس على الباب ..
بنظراته اللامعة ..
وقميصه الأسود الأنيق من تحت البالطو ..
بقامته الفارعة ..
وابتسامته الخلابة ..
ابتسمت همسة ابتسامة هادئة وقالت له : تفضل ..
كانت هي تمسك في يديها وتلعب في مرسمة خشبية بلونيها الأصفر والأسود ..
جلس فراس ..
وأخذ يتأمل في جواله قليلاً ..
ثم التفت لها مبتسماً وقال :
كيف حالك يا همسة ؟
تأملت همسة فيه قليلاً بعينيها الزرقاوان كم خلال النظارة وقالت بتنهيدة :
لا أدري يا فراس ..
هناك الكثير من الأشياء التي تشغل بالي ..
كم تمنت لو تبوح له ..
ولكنها لا تقدر أن تبوح له بالذات ..
تأمل فيها قليلاً ..
لا تدري لم لم تحس بالشعور الذي كانت تشعر فيه سابقاً حين كان ينظر لها سابقاً ..
ألأنها تحب بشار ؟
قال فراس منتزعاً إياها من أفكارها:
هل أستطيع أن أساعدك ؟
ابتسمت همسة ولكنها قالت :
لا عليك يا فراس ..
سوف أحلها قريباً ..
لم يشأ فراس أن يضايقها ..
فابتسم بلطف وقال :
على كل إن احتجتني في أي وقت ..
فأنا موجود ..
ثم صمت مرة أخرى وقال وهو يطرق بيديه على المكتب وقال :
همسة .. هناك أمر آخر أود أن أقوله لك ..
اضطربت همسة ..
وأحست بقلبها يخفق ..
"أرجوك يا فراس إن كان ذلك الأمر .. فلا تقل ..
أرجوك " .. قالت همسة هذا في أعماقها ..
ودعت الله في قلبها ..
لم تكن تحتمل أمراً آخراً ..
وحدثاً آخر يشقق الأرض من تحت قدميها ..
ولكن فراس قال وهو ينظر لها :
ندى ..
احذري منها ..
إنها ليست الفتاة التي تظنين ..
كادت همسة أن تتنهد فلم يصارحها فراس ..
لولا أن تمالكت نفسها ..
ولكنها قالت مستغربة :
ندى ؟! ..
ما الأمر يا فراس ؟
أخذ فراس يفكر ..
وكأنما من يسبر عقله يراه يقول : أأخبرها ..
أم ماذا؟
تنحنح ثم بدأ بإخبارها ..
كيف أن ندى صديقة همسة ..
راحت تحاول قدر استطاعتها أن ت**ب وده ..
وكيف أنها تحاول قدر استطاعتها أن تحتك به .. بطريقة مباشرة أو بطريقة غير مباشرة ..
بل لم تكتفي بذلك ..
بل إن همسة ذاتها لم تسلم من ندى ..
وصار فراس يقول :
لا أعلم كيف تجرأت وصارت تقول ..
بأن بينك وبين مريض الغرفة 642 .. بشار .. أمراً ما ..
أحست همسة أن قلبها يكاد يتوقف من هول ما سمعت ..
هل صار الأمر واضحاً لهذا الحد ؟
هل أصبحت للناس أعين تدقق في حياة الناس الخاصة ؟!
أم أن هذه الطبيعة السعودية التي لازلنا نمتلكها ..
أن يتحدث الناس دون احترام لأي شيء ..
وان يوزع الناس التهم مجاناً ..
بطريقة بريئة .. وبأخرى قذرة ..
فقالت همسة وهي تتظاهر بالغضب :
أي وقاحة هذه .. ولما تقول عني هذا الكلام ..
إنه مريضي يا دكتور فراس ..
أحس فراس أن أعصابها قد شُدت .. فقال :
هدئي نفسك يا همسة ..
السبب فقط أنها رأتك أكثر من مرة عنده تتبادلون الكلام في ..
قاطعته همسة وهي تقول :
فراس .. إنه مريض بورم خبيث ..
أمن الجرم أن أتحدث معه وأن أخفف عن إنسان على حافة الموت ؟!
أليست هذه هي مهمة الأطباء .. تخفيف آلام الناس ؟!
أم أني لا أستطيع أن أتحدث معه ولو للقليل ..
ما هذه السخافة ؟! ابتسم فراس حتى يخفف من حدة الموضوع وهو يقول :
لا عليك لقد رددت عليها بالرد المناسب ..
وألزمتها حدودها ..
إنها لا تملك الحق أن تتحدث عليك بهذه الطريقة ..
كيف وأنت الطالبة الأولى على الكلية ..
إنها غيرة يا عزيزتي ..
كم أحست همسة أنها تود لو تنشق الأرض وتبتلعها مع "كلمته الأخيرة ..
كل هذه الكلمات ..
كل هذا الاحتمال من فراس لعصبيتها ..
كل هذه التصرفات ..
لا تدل إلا أن فراس معجب بي ..
يا إلهي ..
ماذا أفعل ؟!
إني أحب ..
أحب بشار .. لا أدري ..
هل أنا أحبه أم أنه مجرد إعجاب؟
ولكني لا أبرح أفكر فيه ..
ولكن فراس ..
يا الللللللللللللللللللللللللللللللللللللللللللل له .. "
لم تنتبه همسة لنفسها .. إلا وقد تهشمت المرسمة في يديها ..
وتطايرت أمام عينيها بعض الشظايا الصفراء ..
نظر فيها فراس لوهلة .. وقال :
آسف يا همسة ..
لم أكن اقصد أن أزعجك ..
صدقيني ..
تنهدت همسة وحاولت قدر استطاعتها أن تبدو بشكل جيد ثم قالت :
لا عليك يا فراس .. لا بد من الغيرة في بعض الأحيان ..
ألا تعتقد ؟!
ابتسم لها فراس ..
ثم نهض وهو يقول :
لقد سرقنا الوقت ..
وأنا لدي حالات لابد أن أعتني بها ..
على الرغم من أن حديثي قد أزعجك ..
ولكني بحق سعدت بالحديث معك ..
ابتسم وهو ينظر لها للحظات ..
ثم خرج من الغرفة ..
أخذت همسة تتأمل للحظات في الباب ..
كم هو وسيم ..
كم هو مهذب للغاية ..
لامع ..
فيه من الصفات ما تحلم به أي إنسانة في الدنيا ..
ولكن ..
قلبي .. ليس ملكي ..
آه منك يا بشار !
كيف فعلت هذا بي ؟
لم دخلت حياتي بهذه الطريقة ؟
تنهدت بقوة ..
نهضت من مقعدها وهي تتوجه إلى مرضاها ..
كانت الساعة الرابعة حين عادت همسة إلى غرفتها في المستشفى ..
كانت رائحة الديتول تعبق المكان ..
والتكييف المركزي ..
يبعث برودة في الأوصال حتى تؤلمها ..
فتحت غرفتها ..
وعلى الطاولة ..
كانت هناك وردة حمراء ..
كعادتها ..
جميلة وأنيقة ..
كانت موضوعة في ورقة من السلوفان الرقيق ..
أمسكتها بين يديها ..
ونظرت إلى الجدار وهي تقول وقد أغمضت عينيها :
لا أستطيع يا فراس ..
إنك لا تفهم .. لا أقدر ..
وبعد أن رتبت أوراقها .. وكتبت تقاريرها ..
كانت تمر بالأروقة .. حتى تخرج من المستشفى ..
بعد يوم عمل شاق جداً ..
فقد كانت الكثير من الحالات بانتظارها ..
وبينما هي تمشي ..
مرت بغرفة بشار ..
تأملت رقم الغرفة كثيراً ..
ترددت في الدخول ..
اقتربت من الباب ثم أحجمت وهي تفكر ..
ولكنها في النهاية ..
سارت دون أن تدخل ..
كانت تحتاج إلى فترة من التفكير مع نفسها ..
إنها لا تستطيع أن تتحمل ..
لا بد لها من أن تراجع أوراقها ..
وتحدد ماذا تريد ؟
إنها لا تتذكر حتى آخر مرة أصابتها هذه الحالة ..
ربما عندما كانت في السنة الأولى من الطب ..
حين راحت تفكر ..
هل الطب هو الطريق الذي اخترته أم ماذا؟
وصلت إلى السيارة ..
ركبتها ..
وهي تحس بخواء عجيب ..
أحست أنها تحتاج لمن تحدثه ..
أحست أنها تحتاج لمن تكلمه ..
ولكن ..
صحيح يا همسة ..
لقد انقطعت علاقتك بكل الناس منذ مدة طويلة ..
منذ أن وهبت نفسك لما يسمى بالطب ..
لما يسمى بالمركز الأول ..
حتى أقربائك في العائلة ..
انقطعت صلتك بهم ..
وإن كنت تريهم قليلاً ..
حتى المناسبات العائلية .. لا تحضرينها كلها ..
وتحتجين بقولك : لم يكن لدي الوقت الكافي ..
اعتصرت جوالها .. وهل تتألم ..
لقد كان ثمن تفوقها غالياً جداً ..
لا حياة اجتماعية ..
القليل من المعارف ..
وغالباً ما يكونون في مجال العمل ..
ولكنهم ليسو بأصدقاء ..
حتى ندى ..
كانت مجرد زميلة عادية..
ربما والدها هم أقرب الناس لها ..
ولكن هذا موضوع لا تستطيع أن تناقشه معهم ..
وحتى والدتها ..
لأن رأيها سيكون معروفاً سلفاً ..
الاختيار الأذكى طبعاً ..
بعيداً عن العاطفة والإحساس ..
كانت قد وصلت إلى المنزل ..
صعدت إلى غرفتها ..
بدلت ثيابها ..
وأخذت حماماً ساخناً ..
وعندما انتهت ..
خرجت من الحمام .. وهي عازمة على إيجاد مخرج من هذا المأ** الفكري الذي يشغل بالها ..
كانت بروب الحمام الأبيض ..
حين جلست على مكتبها الصغير ..
أخذت ورقة نظيفة ..
وراحت تكتب ..
بشار : أحس أني أحبه .. وأني متعلقة به ..
فراس: إنسان رائع وجميل .. وفيه كل المواصفات التي تفكر فيها فتاة ..
أمسكت بقلمها الأسود .. ووضعته في فمها الجميل ..
وراحت تعض عليه ورأسها يميل مع التفكير ..
كتبت :
لو كان بيدي القرار .. في أن أختار شخص لأنقذ حياته من الموت ..
فمن سيكون ؟
لم يستغرق قلمها كثيراً من الوقت حتى تحيط باسم بشار ..
ابتسمت حين توصلت إلى هذه النتيجة ..
ولكنها كتبت :
وماذا إن كانت حياة إنسان مكتوب عليها غالباً النهاية ؟
ووضعت حول اسم بشار أكثر من مربع ..
وصارت تفكر ..
ثم كتبت :
الحب ليس عملية حسابية تحسب بالعقل إنها مشاعر ..
ثم فكرت قليلاً وكتبت :
ولكنه مشروع حياة .. نربط مصيرنا في هذه الدنيا بإنسان حتى نهاية الدنيا ..
هل يعقل أن أربط نفسي بإنسان نهايته قد تكون قبل بدايتنا ؟
أحست أن الأمور بدأت تصعب عليها مرة أخرى ..
وأن الطريقة التي كانت تجدي في حل كل مشاكلها في الحياة ..
لا تجدي هذه المرة ..
كتبت مرة أخرى :
بشار .. فراس ..
ثم كتبت تحت اسم فراس : يحبني ..
ورسمت قلباً ..
أما تحت اسم بشار .. توقفت قليلاً ..
ثم وضعت علامة استفهام كبيرة ..
ترى ماذا أعني أنا بالنسبة إلى بشار ؟
هل أنا مجرد طبيبة وفقط ؟
أم صديقة ؟
لم تكن هناك دلالة واحدة أني أكثر من ذلك ..
ولكن الدب الذي أهداني إياه ؟
راحت وجلبت الدب .. ووضعته أمام الضوء وصارت تفكر ..
ولكنها راحت تقول :
كيف يعقل لمن يحب فتاة .. أن يعاملها بهذه الفظاظة ..
مستحيل ..
إنه بالتأكيد لا يعتبرني أكثر من إنسانة عادية ..
كأي إنسانة عادية تمر في فصول حياته ..
كانت النتيجة التي طلعت بها همسة أكثر تعقيداً مما كانت ..
بل إنها أحست أنها قد عقدت الأمر أكثر وأكثر ..
وأنها لم تساهم إلا في زيادة المشكلة صعوبة ..
تنهدت تنهيدة طويلة ..
وهي تلقي برأسها على المكتب في تعب ..
كانت كمبيوترها مفتوحاً ..
رأت أن تحاول أن تفكر في شيء آخر ..
أحست أنها لا تستطيع التفكير ..
فتحت على إيميلها ..
لم تجد أكثر من 5 رسائل من شركات إعلانات ..
ثم تذكرت أمرها الهام الذي عزمت عليه البارحة..
فتحت على موقع طبي مشهور :
[فقط الأعضاء المسجلين والمفعلين يمكنهم رؤية الوصلات . إضغط هنا للتسجيل]
وهو موقع يختص بكل الأبحاث الجديدة ..
بجدولة باسم المؤلف .. أو بنوع البحث ..
كتبت اسم بشار البدري ..
وصارت تبحث في كل أبحاثه ..
ولكنها لم تجد سوى القليل من الأبحاث ..
عقدت حاجبيها ..
غيرت الحروف .. عل طريقة كتابة بشار بالإنجليزية مختلفة ..
وكلنها لم تجد سوى بحوث قليلة ..
ليس لها علاقة بـ:
Gp53 alpha
حكت رأسها قليلاً وقالت : ولكنه كان موجوداً تلك المرة!
برقت في رأسها فكرة ..
كتبت اسم الدكتور ميان ..
فخرجت لها قائمة طويلة جداً ..
بالأبحاث التي كتبها ..
وفي النهاية وجدته ..
Gp53 alpha
بواسطة : البروفيسور : ميان ناريتا ..
كان بحثاً طويلاً جداً ..
نزلت همسة إلى المطبخ .. وأحضرت عصير برتقال لها .. وعادت ..
وصارت تقرأ ..
وتقرأ ..
كان البحث جاداً جداً ..
والمشروع رائع ..
والأفكار تبحث في صلب الموضوع تماماً ..
وكيفية علاج المرض من أساسه ..
أحست همسة أنها متحمسة ..
وصارت تقرأ ..
إلى أن أمضت ما يقارب 4 ساعات كاملة في قراءة متواصلة ..
ولكنها لم تكمل حتى تلك اللحظة ربع البحث ..
وبدأت تحس بالتعب والإرهاق ..
قررت أن تطبع البحث ..
لكن كان هناك شيء يناديها في عقلها ..
إلا أنها مرهقة للغاية ..
هناك شيء يقول لها أن تنتبه ..
هناك نقطة مهمة ..
ولكن عيناها على وشك الإغلاق ..
وفجأة ..
توهجت كلمة ما في عقلها .. فتحت عيناها بقوة ..
وأحست الدماء تندفع في رأسها المتعب ..
قامت ودخلت حمامها ..
وغسلت وجهها بسرعة ..
وعادت ..
وصارت تقرأ سطراً ما في اهتمام ..
أخذت ورقة وصارت تكتب كلمات كثيرة ..
وتضع بعض الرسوم والأسهم الصغيرة ..
وصارت تعود لتقرأ ..
لا ..
هذا لا ينفع ..
لا بد أن أطبع البحث ..
هناك الكثير من الأمور التي لا بد أن أفهمها ..
وعند رسمة الطابعة في متصفح الإ**بلورر ..
ضغطت همسة ..
ووضعت أوراقاً كافية في طابعة الليزر لديها ..
وراحت فوق سريرها ..
وقالت : سأستلقي حتى تطبع الأوراق ..
ولكنها لم تدري بنفسها إلا وقد غطت في نوم عميق ..
استيقظت همسة ..
وأول ما طالعها كانت الساعة ..
كانت تشير إلى الخامسة إلا ربع ..
إنه وقت باكر للغاية ..
نهضت ..
كان شعرها منكوشاً ..
وهي لا تزال بروب الحمام ..
توجهت إلى الطابعة التي تساقطت أوراقها من الطاولة على الأرض ..
جمعت الأوراق وراحت ترتبها ..
وعندما انتهت ..
قررت أن تعود للنوم مرة أخرى ..
ولكنها قبل أن تنام ..
قالت في نفسها: أليس هذا وقت صلاة الفجر ؟
بلى ..
لم لا أصلي الآن ؟
منذ زمن طويل لم تصلي همسة الفجر في وقتها ..
لا تدري لم ..
ولكنها اعتادت أن تصليها حالما تستيقظ في نومها ..
عند الثامنة في العادة ..
ولكنها أخذت تقول في نفسها :
ترى بم كان يشعر بشار حين يصلي في هذا الوقت ؟
ولم كان يذكر ذلك لي بطريقة خاصة ؟
ذهبت للحمام بطريقة آلية ..
وتوضأت ..
وبدأت تصلي ..
ولأنها كانت تحس في داخلها ..
من أن هناك تغيراً ما ..
نعم .. أحست بشيء جديد .. بعد أن أطالت في الصلاة قليلاً ..
بدلاً من أن تؤديها على عجلة كالعادة ..
سكون عظيم كان يغلفها ..
وضوء الغرفة من مصباحه الأصفر ..
كان يبث إحساساً مختلفاً ..
كم ودت همسة أن تطيل في الصلاة ..
ولكنها لم تعتد على ذلك ..
أنهت صلاتها ..
وبهدوء وسكينة .. دخلت في فراشها ..
لتستمع بالدفء بعد أن بردت أطرافها مع ماء الوضوء وجهاز تكييف غرفتها ..
لا تدري لم أحست أنها مرتاحة جداً ..
على الرغم من ذلك الجنون الذي كان يخيم عليها قبل ساعات..
استيقظت همسة في الصباح ..
وهي تحس بنشاط كبير ..
استيقظت وهي تفكر في بشار ..
لا تدري لم على ع** البارحة ..
كانت تحس بالإنطلاق في حياتها ..
وبالرغبة .. والطموح يكادان يغمرانها ..
لبست ..
وهذه المرة اختارت لباساً جميلاً ..
ارتدت بنطلون أسود من الستان ..
مطرز ببعض النقوش لطاووس جميل ..
وقميصاً ضيقاً سماوي اللون ..
يمسك من الجانبين بواسطة حبال رقيقة على حلقات حديدية واسعة..
كانت في هذا اللباس جميلة جداً ..
وطبعاً ارتدت البالطو الأبيض اللامع ..
وساعتها المصنوعة من الذهب الأبيض ..
كانت تحس بانتعاش كبير ..
أخذت أوراق البحث حتى تراجع فيه حين يكون لها متسع من الوقت ..
ركبت السيارة ..
وعاد بها التفكير ..
ولكن ذهنها الرائق قادها إلى أفكار متهورة ..
تطلعت إلى البحث بين يديها ..
وتلك الورقة التي كتبت عليها تلك الملاحظات الكثيرة ..
وابتسمت ..
دخلت المستشفى ..
وكانت الابتسامة لا تفارق وجهها ..
فكانت كما لو أنها قمر تشع بأنوار الفتنة ..
وبدون تفكير ..
توجهت إلى غرفة بشار ..
دقت الباب ..
ولم تنتظر ..
دخلت على الفور ..
وعندما نظرت ..
كان الدكتور أسامة هناك يتكلم مع بشار :
للأسف يا بشار .. المعاملة ستأخذ وقتاً طويلاً ..
إنه الروتين السخيف كما تعلم ..
( وللتذكير فإن الدكتور أسامة آصف هو الذي أدخل بشار هنا .. لأنه قريب له .. وطلب معاملته معاملة خاصة في بداية القصة)
أخذ بشار يضغط على أسنانه بعصبية ..
ولكنه انتبه لهمسة ..
وانتبه أيضاً الدكتور أسامة لها أيضاً فالتفت ..
ابتسم كلاهما .. وقال الدكتور أسامة :
أهلا بالدكتور الدافورة ..
ابتسمت همسة مجاملة .. وقالت : كيف حالك يا دكتور ؟
قال لها : بخير ..
ثم نظر في بشار وقال : ألم تكن هي المشرفة على حالتك ؟
فقال بشار مبتسماً : أجل ..
التفت لها الدكتور أسامة وقال :
لا بد أنك تمرنت عليه جيداً ..
الحقيقة نحن نعرف أن لديه osteosarcoma
(سرطان العظم الخبيث )..
عقدت همسة حاجبيها وقالت :
إذا لم لم تبدؤوا العلاج معه ؟
أصدر بيجر الدكتور أسامة طنيناً ..
فقال : المعذرة ..
لا بد أن أذهب ..
لدي حالة طارئة ..
وخرج من الباب بسرعة ..
نظرت همسة في بشار وهي مازالت تستفهم ..
فقال بشار :
لذلك أتيت إلى السعودية ؟
حتى يقوم الدكتور أسامة بإكمال ما بدأته أنا ..
سيعالجني بالعقار ذاته ..
تجمدت همسة في مكانها وقالت :
بشار ..
ما الذي تقوله ؟
فقال بشار متجاهلاً كلامها :
وجودي في المستشفى كان فقط انتظاراً حتى نحصل على موافقة وزارة الصحة .. لنبدأ في العلاج ..
حالتي كانت معروفة مسبقاً ..
ثم قال بسخرية : آسف لأننا أزعجناك ..
وجعلناك تشخصي الحالة من جديد ..
ولكنه كان بمثابة تمرين لك أليس كذلك ؟
نظرت فيه همسة لوهلة ثم قالت :
ولكنك تعلم أن العلاج غير نافع ..
نظر فيها بشار بقوة وقال :
مايا كانت تظنه نافعاً ..
وأنا أؤمن بذلك ..
أحست همسة أن في عيني بشار قوة غير عادية ..
بل أحست فيها قوة الأرض كلها ..
والتصميم والإرادة ينبعثان منهما ..
جلست في الكرسي المجاور له وقالت :
وما الذي حصل حتى الآن ؟
لا يزالون يدرسون الموضوع صحيح ؟
أومأ لها وعلى ركن شفتيه ابتسامة ساخرة ..
انتظرت همسة برهة وقالت : وإن لم يوافقوا ؟
نظر فيها بشار ..
كانت أشعة الشمس تعبر في الغرفة ..
وكأنما اشتعلت في عينيه العسليتين وهو يقول :
لقد فعلتها من قبل .. على من هي أغلى من روحي ..
ليست هناك مشكلة في أن أفعلها على نفسي ..
كان ثابتاً كالصخرة ..
وكأنما لم يكن هو بشار الذي انتحب في بكاءه قبل يومين..
صمتت همسة وهي تقول :
لقد جلست البارحة أقرأ في البحث ..
هناك ملاحظات كتبتها قبل أن أنام على البحث ..
ولكن لا أدري ..
ربما لأني لم أقرأ البحث كاملاً ..
ربما فاتت على بعض النقاط الهامة ..
قال لها بشار ساخراً .. وهو يتناول الملف من يديها :
هل تعلمين كم ساعة قضيت في هذا البحث ؟
أكثر من 500 ساعة من العمل ..
التقط البحث ..
وجلس يقرأ ..
Cytoplasm membrane pores
(فتحات الغشاء السيتوبلازمي)
G receptors
(مستقبلات ج )
Boosters
(جرعات مقوية)
Alternation of negativity
(تبديل السالبية)
وأحس بشار أن الكلمات في رأسه بدأت تشكل شيئاً غير محدد الملامح ..
وكأنما كانت أقطاباً تتقوى كل واحدة منها لتولد تياراً كهربائياً في جمجمته
ولكنه نظر في همسة بجدية واهتمام وقال :
فيم تفكرين ؟
ابتسمت همسة من تلك النظرة ..
وتألقت عينها الزرقاء ..
من تحت نظراتها البراقة ..
وقالت بشفتيها الوردية :
من الواضح أني طرقت باباً لم تطرقه قبلاً ..
ثم ابتسمت مرة أخرى ..
ترى ما الذي اكتشفته همسة ؟ وما الذي سيحصل ؟ وهل ما فكرت فيه له علاقة بفراس .. أم ببشار ؟ ترى ما الأحداث الجديدة؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟ ذلك ما سأجيب عنه في الجزء القادم ..
د.خالد أبوالشامات
بسم الله الرحمن الرحيم .. ولكنه نظر في همسة بجدية واهتمام وقال : فيم تفكرين ؟ ابتسمت همسة من تلك النظرة .. وتألقت عينها الزرقاء .. من تحت نظراتها البراقة .. وقالت بشفتيها الوردية : من الواضح أني طرقت باباً لم تطرقه قبلاً .. ثم ابتسمت مرة أخرى .. | |
|
| |
"بيراوي"رومنسي" المشرف العام
عدد الرسائل : 831 السٌّمعَة : 0 نقاط : 283707 تاريخ التسجيل : 16/06/2009
| موضوع: رد: روايه واقعيه و مره جنان حب في مستشفى الجامعه بجده السبت سبتمبر 26, 2009 3:25 am | |
| الجزء الحادي عشر بسم الله الرحمن الرحيم .. ولكنه نظر في همسة بجدية واهتمام وقال : فيم تفكرين ؟ ابتسمت همسة من تلك النظرة .. وتألقت عينها الزرقاء .. من تحت نظراتها البراقة .. وقالت بشفتيها الوردية : من الواضح أني طرقت باباً لم تطرقه قبلاً .. ثم ابتسمت مرة أخرى ..
كانت همسة تتحدث وهي تحس بفرحة التفوق ..
وأنها ما زالت الطالبة الأولى دوماً ..
ذلك الشعور الذي يملأ النفس غروراً ..
قالت بأسلوب طفولي:
إنها فكرة في بالي ..
وشيء قد لاحظته ..
ولكني لست متأكدة ..
أخذ بشار ينظر مرة أخرى في الورقة .. وهو يمعن التفكير ..
أخذ يحك ذقنه الخفيفة براحة يده ..
فقالت همسة وهي تنتشل الورقة مبتسمة :
عندما تختمر الفكرة في رأسي ..
سوف أخبرك بها كاملة ..
تابع بشار الورقة وهي تُختطف من بين يديه ..
ثم راح يتأمل في وجهها مبتسماً وهو يقول :
ما شاء الله عليك ..
دافورة ..
ماذا نستطيع أن نقول ؟!
خرجت همسة من الغرفة ..
وأغلقت الباب في هدوء ..
قالت لها الممرضة :
Dr. Ali wants you ..
أحست همسة بالقلق ..
لا تدري لم ..
ولكن مذ ذاك اليوم التي وبخها فيه ..
وهي حساسة من محادثته كثيراً ..
ولما وصلت إليه ..
طرقت الباب ..
كان يكتب منهمكاً في ملف ما ..
فنظر لها من فوق النظارات التي من الواضح أنها فقط للقراءة ..
ثم عاد مرة أخرى إلى ورقته وهو يقول :
أهلا بطالبتنا النجيبة ..
استريحي
جلست همسة مبتسمة ..
إنها بداية مطمئنة ..
وبعد دقائق ..
أغلق الدكتور الملف ..
ثم نظر لها ونزع النظارة وقال :
غدا .. عملية المريض محمد العبد الله ..
سنستأصل له ورم من الدماغ ..
من المؤكد أنك ستستفيدين كثيراً ..
قالت له بجدية :
إن شاء الله يا دكتور ..
نظر فيها لثواني ثم قال بتلك اللكنة المصرية في مخارج حروفه وبلهجة قوية قاطعة كعادته:
الدكتور الجيد .. يبحث عن مصادر تعلمه بنفسه..
لن يأتي أحد ليقدم له العلم والخبرة ببساطة ..
ولكني أعلم أنك طالبة ممتازة ..
لولا أني لا أعلم ما الذي حدث في الفترة الأخيرة ؟
ثم صمت قليلاً ليتطلع في وجه همسة التي لم تعرف بم ترد ..
فقال لها :
نحن حين نوبخ .. أو حتى حين نعاقب ..
لا يكون قصدنا كذلك بالفعل ..
أحيانا نكون قاسين .. ولكننا نريدك أن تتعلمي ..
نحن نحتاج إلى كل طبيب منكم ..
ولكننا نريد أطباء جادين ..
انظري إلى الأسرّة .. وإلى عدد المرضى ..
البارحة دخل 3 مرضى جدد إلى القسم ..
الناس بحاجة إلينا .. صدقيني ..
الأمر أكبر من أن تتعلمي .. وأن تتحصلي على شهادة ..
الأمر أن تنقذي أناساً ..
من يستطيع معالجة هؤلاء الناس ؟
الله هو الشافي ..
ولكن من المسبب ؟
أليس أنا وأنت ؟!
وقعت هذه الكلمات في قلب همسة ..
وأحست بدماء الحماسة تندفع في روحها ..
نعم ..
الناس تحتاجني ..
و .. وبشار يحتاجني ..
فقالت له : إن شاء الله يا دكتور .. لن ترى إلا ما يسرك ..
ابتسم الدكتور علي .. ثم لبس النظارة .. ومس طرف إصبعه بلسانه وراح يقلب أوراق ملف أمام يديه وقال :
لا تتأخري على مرضاك ..
ربنا يوفقك ..
خرجت همسة من عنده ممتلئة بالطموح ..
وصارت تنظر في سقف الممرات وهي تقول في نفسها ..
بشار ..
سوف أنقذك ..
وامتلأت روحها قوةً عزيمة..
رجعت همسة إلى المنزل مبكراً ..
بعد الدوام مباشر ..
فكرت في أن تمر على بشار ..
ولكنها لم تفعل ..
ولما وصلت المنزل ..
كانت أمها موجودة وأبوها كذلك ..
دخلت عليهم وهي مبتسمة ..
مضى وقت طويل للغاية لم ترهم فيه ..
احتضنتها أمها وهي تقول :
Look at that .. how come 5 days I could not see you even for a while
أما أبوها فقد ابتسم وقال :
هكذا حال المتفوقات ..
ابتسمت همسة ..
وقالت لهم : أنا جائعة للغاية ..
ماذا يوجد لدينا ..
قالت لها أمها : لقد أعددت شرائح لحم إستيك
Ummm ummm .. what a lovely taste
فقالت همسة : رائع ..
لأني جائعة للغاية ..
جلس والداها معها وهي تأكل ..
واكتفيا ببعض الجيلي فقد تناولا الغداء من قبل وسبقاها ..
وراح أبوها يتطلع لها في شيء من الحنان ..
كيف لا وهذه ابنته الوحيدة ..
قد كبرت وصارت بهذا الجمال ..
وبهذه الروعة .. __________________
ا من هو باز في لقفاز
يا من هو فروج عل كن ضرا ونشر جناحو
يا من هو تليس اعطا ظهره لتدراز
عمرني ما ريت لغزال تمشي بالمهماز
فراق الخيل عادو سراحو
عمرني ما ريت النخلة تعطي حب الغاز
بعد التمر يفوت بلاحو
يا من هو ديب في الغياب كثر صياحه
يا لِيام يا ِليام
يا بنتي مالك عوجة واش من سباب عرجتني بيه
تارة تسقيني حليب تارة تسقيني حدجة كي ملا هيه
صدق حتى اعيا و قالو راها فيه تبقى فيه
أنا كاع بنادم نبغيه و ظانه مثلي يبغيني
كبف نبغيه نقول عليه وللي فاخلاقي ما يخليني.
انتهت همسة من غدائها ..
ودخلت غرفتها ..
كانت الحماسة تغمرها بحق ..
لقد قررت ..
أن تقعد الدنيا وتقيمها ..
فتحت حقيبتها ..
كانت قد استعارت من مكتبة الجامعة ..
بعض الكتب الهامة في علم السرطان ..
وكانت عبارة عن الفصل الرابع والخامس من كتاب :
Biology of cancer
وأخرى في الخلية :
Cell biochemistry
وكتب أخرى متفرقة .. لكل واحد منها أهميته الخاصة ..
رتبت أوراقها كما تفعل عادة ..
عندما كانت طالبة في الكلية ..
إنها لا تحب أن تذاكر إلا على الأرض ..
ووضعت جميع الكتب أمامها ..
ووضعت الأقلام التي تستخدمها ..
وكشكول جديد لتدون فيه ملاحظاتها أسود اللون ..
والمحددات الفسفورية ..
أما بحث بشار .. فكانت قد وضعته في ملف بسلك حلزوني حتى يتسنى لها مطالعته ككتاب ..
وبدأت همسة في القراءة ..
بدأت بالبحث ..
كانت مصممة على أن تفعل المستحيل ..
وجلست تقرأ ..
وبعد لحظات .. تفتح من ذلك الكتاب .. وتبحث ..
وأحست أنها عادت إلى مقاعد الدراسة من جديد ..
كم هو معقد هذا البحث ..
هناك الكثير من الأمور التي لم تفهمها ..
ولكنها يجب أن تعمل ..
اتصلت بالمستشفى ..
وطلبت غرفة بشار .. وبعد دقائق ..
" مرحبا " .. كان صوتاً قريباً من بشار ..
قالت همسة : بشار ؟
سمعت همسة نفس الصوت يقول بخفوت :
فتاة تسأل عنك ..
أمسك شخص ما السماعة وقال : مرحبا .. من ؟
ابتسمت همسة وأحست بخجل وقالت :
أنا همسة .. كيف حالك ؟
فقال بشار بارتياح : أهلا يا دكتورة .. كيف حالك ؟
لم تدري همسة .. لم أصابها هذا الارتباك .. فراحت تلف شعرها خلف أذنها وهي تقول :
احم .. كيف حالك ؟
فقال لها بشار : الحمد لله ..
صمتا قليلاً ..
إنها ليست من عادة بشار كثير الكلام ..
ولكنها أحست بشيء لذيذ ..
بشيء من المتعة ..
إحساس لم تجربه قبلاً ..
فتنحنحت مرة أخرى وقالت : كنت أود أن أسألك ..
في بحثك ..
كانت هناك نقطة تتحدث عن : إرسال النواة إشارة إلى خارج الخلية لزيادة صنع البروتين بواسطة CK19
لم أفهم هذه النقطة ..
توقف بشار قليلاً ثم قال :
أممم .. حسناً اسمعي ..
CK19 هو عامل حفاظ " catalyze"
وهو المسئول عن عملية النقل ..
همسة أحست أنها لم تفهم شيئاً ..
وراح بشار يتكلم .. ويتكلم ..
وهمسة لم تستطع أن تستوعب ..
بصراحة ..
كان جزء من عقل همسة في مكان آخر ..
كان يركز في صوت بشار ..
لم كأنها ولأول مرة تسمعه ؟
لم تحس أنها تذوب فيه ببطء ..
"فهمت ؟"
أفاقت همسة وقالت بعد ثانية من السكوت :
بصراحة لا ..
تنهد بشار وقال :
تعالي إلي غدا وسوف أشرح لك كل شيء ..
لا أستطيع أن أشرح لك هذا بالهاتف ..
يبدو أنك لم تذكري الـ chemical mediator
قالت همسة : لا مشكلة أستطيع أن آتي الآن ..
صمت بشار لبرهة ثم قال :
همسة .. الساعة الآن الثانية والنصف صباحاً ..
هل تستطيعين الخروج حقاً ؟
ثم قال بسخرية : مسكين سائقك ..
لا بد أنه سيهرب من المنزل عما قريب ..
أما همسة فتوقفت وهي منذهلة ..
وطالعت في ساعتها ..
كانت الساعة تشير إلى الثانية والنصف حقاً ..
يا إلهي .. أمضيت ست ساعات متواصلة .. دون أن أنتبه ..
فقالت همسة وهي خجلة : آسفة لم أنتبه للوقت ..
أوه .. لم أقصد إزعاجك في هذه الساعة المتأخرة أيضاً ..
فقال بشار :
لا بد أنك كنت طوال هذا الوقت نائمة ..
وحلمت بهذه الخرابيط .. فلم تستطيعي أن تكملي النوم ..
يا لكم من مساكين أنتم الدوافير ..
ابتسمت همسة ..
أصحبت تعتاد سخرية بشار .. بل صارت على غير العادة .. تحبها ..
وتروق لها .. وتجد فيها متعة غريبة ..
ربما لأنها تصدر من شخص .. لا يهم كثيراً ما يقوله ..
كل المهم أنه يتكلم معها ..
قالت : غداً سوف أراك .. ونتناقش ..
فقال بشار : نامي يا بنتي .. غداً عمل ..
أقفلت همسة السماعة ..
ونظرت في الأرض ..
كانت أربعة من الكتب مفتوحة .. والأقلام فوقها ..
وكوب من الكابوتشينو قد بقي منه ربعه ..
كانت لا تزال تحس أنها تستطيع أن تعمل الكثير ..
ولكن غداً لديها عملية في الصباح ..
ولا بد أن تنام حتى تركز فيها ..
وبالفعل ..
أغلقت أنوار الغرفة ..
ونزعت نظاراتها الطبية ..
واستلقت فوق سريرها ..
كان المصباح الأصفر الصغير هو كل ما تبقى من الإضاءة ..
وكان بجواره الدب الأبيض صاحب القلب الوردي ..
راحت همسة تتأمل فيه للحظات ..
ثم أمسكت الدب ..
وصارت تتأمل في عينيه .. وتقول :
كم أنا أحبه ..
ثم راحت تقبل الدب في حب .. وهي تغمض عينيها في ذوبان كامل ..
ثم راحت تلعب في قبعته الجميلة ..
وتربت على الشعر الصغير بأناملها الرقيقة ليكون كله في اتجاه واحد ..
ثم وضعته مرة أخرى فوق الطاولة الصغيرة عند المصباح ..
وأغلقته ..
وراحت في نوم عميق ..
:: الساعة الواحدة ظهراً ::
خرجت همسة من غرفة العمليات ..
بردائها الأخضر ..
والقفازات البيضاء ..
ثم دخلت إلى غرفة مخصصة لرمي هذه المخلفات ..
والتي تحرق فيها بعد ذلك..
وبعد دقائق ..
كانت تلبس معطفها الطبي ( البالطو ) ..
وتخرج في رواق المستشفى وهي تضع يدها في جيبها ..
مشت بسرعة حتى وصلت إلى مطعم المستشفى ..
تناولت غدائها على عجل ..
وجدت بعض صاحباتها ..
فجلست معهن قليلاً ..
لم تكن همسة عديدة الأصحاب ..
وذلك أنها كانت مشغولة على الدوام بعملها ..
ولكنها بالتأكيد تعرف زملاء دفعتها ..
وبعد أن انتهت ..
ذهبت إلى غرفة بشار .. طرقت الباب بلطف ..
ثم دخلت ..
كان بشار يطالع أوراقاً في يديه ..
ولما رآها .. ابتسم وقال :
أهلا بالسيدة : سَهَر ..
ابتسمت همسة وقالت : مرحباً ..
كانت تحمل في يديها أوراقها وملاحظاتها ..
قالت : اليوم كان لدينا عملية مع الدكتور علي ..
نزعنا فيها ورم من الدماغ ..
كانت عملية صعبة ..
كنا قريبين من corpus callosum
لكن الحمد لله كان الورم حميداً وصغيراً .. استطعنا استئصاله ..
قال لها بشار مبتسماً : رائع ..
هذه العمليات .. مهمة للغاية ..
لا بد ألا تضيعي أي عملية .. تحت أي ظرف ..
كل عملية .. هي بمثابة درس جديد لك ..
فقالت همسة : أمامي الكثير لأتعلمه ..
قال لها بشار مباغتاً : هل صليتي الظهر ؟
توقفت همسة للحظة ثم قالت : لا .. لقد كنت في العملية .. ولتوي تناولت ..
قطاعها بشار : ولا كلمة زائدة .. الحمام أمامك ..
الصلاة .. الصلاة ..
هي أهم شيء في الوجود ..
ثم ضاقت حدقتا عيناه .. وصار يتأمل في الأفق البعيد ..
وأحست همسة أنه بدأ يتذكر غريمتها ..
فقالت بسرعة مداركة نفسها :
هذا ما كنت عازمة عليه ..
قلت سوف أصلي هنا .. وبعدها نتناقش ..
بصراحة لدي أسئلة كثيرة ..
كانت تتكلم بسرعة .. حتى تستطيع بقدر الإمكان ..
ألا تجعله يتذكر كثيراً ..
وبالفعل نجحت ..
وما هي إلا لحظات ..
وكانت تتوضأ ..
خرجت من الحمام .. وتوجهت نحو السجادة لتصلي ..
أما بشار فانهمك مرة أخرى في أوراق كانت بين يديه ..
ولما انتهت من الصلاة .. جلست في الكرسي جوار سريره ..
وقالت : هل أستطيع أن آخذ منديلاً ..
أخذ بشار علبة المناديل من يساره .. ومدها إليها ..
ولما نظر فيها ..
كانت قطرات الماء ما زالت على وجهها ..
كم كانت جميلة ..
تلك القطرات التي كانت تملأ شعيرات حاجبيها الصغيرين ..
وتخلل رموشها ..
وعينها الزرقاء البديعة التكوين ..
مرت قطرة نازلة من نهاية حاجبها ..
ومرقت بسرعة على خدها المشمشي اللدن ..
واستقر أخيراً تحت ذقنها الدقيق ..
وكانت الطهارة الإيمانية التي كانت تحيط بها كنور باهت .. لها وقع آخر .. لم يستطع بشار أن يطيل النظر حتى .. لتوها قد انتهت من صلاتها .. أي وقاحة هذه ؟! ولكنه ابتسم وهو يطالع أوراقه من جديد .. كانت همسة في هذه اللحظات تبحث في أوراقها عن الملاحظات التي توقفت لديها .. ولما وصلتها .. راحت تتكلم مع بشار وتسأله .. وهو يجيبها .. وظلا ما يقارب الساعة وهي تستفسر منه .. وتسأله .. أما هو فراح يشرح لها بكل هدوء .. أحست به أستاذاً .. أو دكتوراً في الجامعة .. وهي ما تزال تلميذة صغيرة .. سنة أولى طب .. " هذه هي كل الأسئلة ؟" كانت همسة ما تزال تطالع أوراقها .. وتقلب بين الصفحات وهي تقول : اممممممممم .. ثم حكت رأسها وقالت : يبدو كذلك .. نظرت في بشار .. أما هو فنظر لها وقال بجدية : همسة .. ثم صمت قليلاً .. راحت همسة تنظر له باهتمام .. فقال : لا أريدك أن تهتمي كثيراً لهذا البحث .. لديك الكثير من الأمور حتى تتعلميها .. عليك أن تركزي في الحالات الأخرى .. سرطان العظم ليس إلا قطرة في بحر .. ولو أنك ركزت عليه فقط .. فلن تستفيدي كثيراً .. عندك الكثير من الأعمال .. فقالت همسة : ولكني هنا أرى أملاً .. قال بشار : أمل ؟ فقالت مبتسمة والطموح ينبعث من خلف نظاراتها : أجل أمل في البقاء .. مئات الناس ينتظرون دواءً مثل هذا .. ينتظرون علاجاً من مرض طال .. وأتعب أوصالهم .. وأرهقهم .. أمل لطفلة صغيرة .. لم تفهم في هذه الدنيا سوى معاني الألم .. أمل لأب .. لديه ابن وحيد .. أمل لزوج يحب زوجته كثيراً .. ولما وصلت همسة لهذه الكلمة .. نزلت من عيني بشار دمعة .. ثم نظر لها وقال : هل أنت متأكدة من رغبتك في المضي في هذا الطريق حتى النهاية؟ فقالت همسة بقوة وقد أكبرت تلك الدمعة في عينيه : أجل .. متأكدة .. ولن أتراجع عن قراري أبداً .. أغمض بشار عينيه .. ثم فتحهما .. ونظر لها : وأنا سأساعدك حتى النهاية .. وسأقدم لك رأسي كاملاً .. ابتسمت همسة .. وقالت : وأنا لن أخذلك .. وهذا وعد من دافورة الكلية .. ما رأيك .. نزلت دمعة من عيني بشار مرة أخرى .. ولكنها انتهت على شفتيه المبتسمة .. وبدأت همسة .. عملاً دؤوباً .. وإن من تأمل في حياة همسة في تلك الفترة .. يرى كيف أن حياتها صارت مشغولة بكل دقيقة في عمل مركز .. لم تعد تهتم إلا لأن تخرج من المستشفى مباشرة إلى المنزل .. وتعود لتقرأ .. صباحاً وليلاً .. وتضع الخطوط الحمراء على أكثر من جملة .. حتى عندما تكون في السيارة .. تقرأ ملاحظاتها في اليوم السابق حتى تكون على إحاطة كاملة بما فعلته .. وأين وصلت بنتائجها .. حتى أنها ما عادت ترى زملائها في المستشفى كثيراً .. وفي هذه الفترة .. وجدت الإجابة أخيراً على حيرتها .. إنها تحب بشار .. نعم .. هذه هي الحقيقة .. التي أخفتها .. عن عقلها .. الذي لطالما ظل مسيطراً على حياتها .. وجدت نفسها أمام اجتياح لمشاعر لم توجد قبلاً في حياتها .. أصبحت الرغبة والدافع اللذان يحركانها .. أما فراس فكان مجرد إعجاب .. شاب يمتلك كل المؤهلات التي تخوله لأن يحظى بقلب فتاة .. بامتياز فائق .. أصبح حبها لبشار .. شيء أكبر من رغبة في التفوق .. وأن يكون اسمها عالياً في مجلس الكلية .. أصبحت تفكر بمنظور آخر .. إنها تحبه .. ولذلك تعمل وتدرس .. صارت كل يوم تلتقي به في غرفته وربما تجلس لساعات وساعات معه .. تسأله في كثير من الأشياء .. ويخبرها هو من باب خبرته التي هي بلا شك أكبر منها بكثير .. وفي نفس الوقت تتقرب منه قدر ما تستطيع .. كانت في لحظات .. تسرح وهي تتحدث معه .. تراه يتكلم عن موضوع مهم .. وتسرح في نظرات عينيه .. أدركت أنها لأول مرة في حياتها تحب بهذه الطريقة .. رغم أنها كانت تسخر من كل الذين أحبوا قبلاً .. لاندفاعهم الغير معقول .. أو تصرفاتهم اللا مُبررة .. أو قراراتهم المتسرعة لأجل إرضاء حبيب .. وكأنها الآن أدركت أن الحب .. شيء لا يعترف بحدود المنطق .. كان قد مضى شهر على بداية عمل همسة في بحث بشار .. طبعاً استطاعت أن تفهم البحث جيداً .. بعد أن ساعدها بشار بكل ما يمتلك من قدرات .. وفي هذه الفترة .. أيضاً لم تتوقف الورود الحمراء عن زيارة غرفتها .. ولكنها كانت تحس بالأسى تجاه صاحبها .. دخلت همسة على غرفة بشار وقالت : صباح النور .. ابتسم لها بشار : صباح الخير .. قالت همسة وهي تجلس بأريحية في مقعدها الذي ربما حُجر باسمها لكثرة ما تقعد فيه : اليوم سوف أبدأ التجربة أخيراً على الأرنب .. قال لها بشار : لا أدري كيف لم أنتبه لتلك الملاحظة الهامة .. هل تذكرين يوم دخلت علي وقلت : لقد طرقت باباً لم تطرقه من قبل؟ ابتسمت همسة .. وصارت عينها قطعة الكريستال الجميلة التي تبعث ألف لون وقالت : ألم أفعل ذلك ؟ ابتسم بشار ونظر لها بإعجاب وقال : بالفعل .. أنت لست طالبة عادية أبداً .. فقالت همسة .. وقد صارت تتحدث مثل بشار .. بنفس النبرة الساخرة : أعوذ بالله .. حسوووووووود .. فضحك بشار من قلبه وقال : ما شاء الله .. الحمد لله لست من ذلك النوع من البشر .. ثم صمت قليلاً وقال : بقي أمر .. واليوم حان الوقت .. نظرت فيه همسة بتطلع .. فتح بشار الدرج الموجود بجوار سريره .. كان فيه ملف أزرق .. أعطاه لهمسة التي قالت : ما هذا ؟ قال لها بألم : هذا الملف الذي كتبت فيه كل ما فعلته في التجربة الأخيرة التي قمت بها على مايا .. أمسكت همسة الملف وفتحته .. تطلعت بسرعة في أوراقه .. ثم نظرت لبشار الذي قال : هذا هو الشيء الذي احتفظت به لنفسي .. ولم أسمح لأحد بأخذه .. .. | |
|
| |
"بيراوي"رومنسي" المشرف العام
عدد الرسائل : 831 السٌّمعَة : 0 نقاط : 283707 تاريخ التسجيل : 16/06/2009
| موضوع: رد: روايه واقعيه و مره جنان حب في مستشفى الجامعه بجده السبت سبتمبر 26, 2009 3:26 am | |
| ولولا أني أعرف أنك جادة .. ما وافقت أبداً على أن أعطيك إياه .. هذه تقارير .. لن تحلمي يوماً بأن تجديها في أي مكان .. لأنها تجارب على إنسان .. وليست على فئران تجارب أو أرانب .. نظرت فيه همسة وقالت بلهجة مقدرة : أعدك بأني سأبذل قصار جهدي .. صمتت همسة للحظة ثم قالت : بشار .. فقال لها : نعم .. كانت همسة تحمل في يدها كيساً فاخراً .. صمتت للحظة .. ثم أخرجت منه علبة مغلفة بتغليف أسود فخم للغاية .. مطبوع عليه بالذهبي اسم Paris gallery وأيضاً علبة أخرى ولكن أكبر منها حجماً .. مغلفة بتغليف فضي اللون .. نظر لها بشار لوهلة ثم قال : ما هذا ؟ فقالت ووجنتاها محمرة من الخجل : افتحها .. تردد بشار لحظة ثم فتحها ببطء .. كانت همسة تنظر في يدها وهي تقول .. كنت أريد أن أهديك هدية .. ولم أعرف .. لم أشتري هدية في حياتي لرجل من قبل .. واحمرت وجنتاها أكثر فأكثر .. وتابعت وهي تمسك أظافرها بشكل مائل وتقول : أصبت بإحراج .. ولكني وجدت عطر : Acqua de Monaco أعجبني للغاية .. وفي العلبة الأخرى .. قميص أيضاً أعجبني من next من la moal فتح بشار علبة القميص .. كان قميصاً أزرقاً سماوي اللون .. قصير الأكمام .. وفي الوسط سوسته صغيرة لمنتصف الصدر .. كان منقوشاً مقلماً .. كان من الواضح أنه غالي الثمن .. صمت بشار للحظة .. ثم قال : لا أستطيع أن آخذ الهدية يا همسة .. همسة أصيبت في مقتل .. ولكنها .. كانت تتوقع هذه الكلمة .. فلم تزل في نظرتها الخجولة ليديها .. وأخذت تقول في ابتسامة : بشار .. ربما لا زلت تعيش على أنقاض ذكرى مايا .. لا أدري .. ولكني باختصار .. صمتت لثانية .. جمعت فيها قوتها وقالت : أحبك قد لا أكون الفتاة التي تستطيع أن تحتل مكانها .. وقد لا أكون ذلك النوع الذي يروق لك .. وقد لا تكون قد شعرت تجاهي بأي شيء .. ولكني أحبك .. قالتها وهي ترفع رأسها وتنظر لبشار .. الذي راح ينظر فيها .. ويتأمل تلك الدموع التي نزلت من عينيها .. وهمسة تقول : ولن أتركك أبداً .. مهما كانت النتيجة .. حتى لو لم تكن تحبني .. فأنا لا أستطيع أن أبتعد عنك .. لحظة من الصمت العاصف .. مرت .. لحظة مرت .. وكأنها سنة كاملة .. لحظة مرت .. ودهر كامل يفنى من تحته ويحيا من جديد .. وقفت همسة وقالت : أرجوك .. اقبل هديتي .. ثم مسحت دمعتها بيدها الجميلة .. من تحت نظارتها .. وقالت مبتسمة بتصنع .. وهي تقاوم آخر لحظات انهيارها : النبي قبل الهدية .. ومسحت دمعتها الأخيرة التي نزلت .. وخرجت من الغرفة بسرعة .. أما بشار فلم ينطق بحرف .. وظل ينظر في الباب لفترة .. ثم لكنه نظر في القميص مرة أخرى .. وتنهد .. كانت همسة تجري .. وهي تمسح تلك الدموع المتطرفة من عينيها .. حتى وصلت إلى غرفتها في المستشفى .. دخلت وأغلقت الباب .. ووضعت يدها على الطاولة .. وصارت تبكي .. وجسمها ينتفض بقوة .. لم هكذا يا ربي ؟ نعم لقد كنت أتوقع هذا .. كنت أتوقع أنه لا يحبني .. لم أحببت ؟ كم الحب من طرف واحد مؤلم .. وظالم.. مؤلم .. مؤلم جداً .. وصارت تبكي أكثر وأكثر .. ثم جففت دموعها وصارت تتنفس بقوة .. سمعت طرقاً على الباب .. مسحت آخر دمعاتها .. ومسحت وجهها بمنديل معطر شارف على الجفاف .. كان موجوداً في درج مكتبها .. فتحت الباب .. كانت ندى تقف متكأه على الجدار .. نظرت لها وقالت : ما بها عيناك محمرتان ؟ لا بد أنك قد سمعت بالخبر .. صحيح ؟ نظرت لها همسة وقالت بحدة : ماذا تريدين ؟ فقالت ندى وهي تغادر : كل شيء قسمة ونصيب .. أما همسة فراح قلبها يخفق بقوة .. " أمعقول أن الناس أصبحت تعرف .. تباً ! " ولكن ندى أكملت : فراس يستأهل أجمل فتاة .. أنا لا أعلم لم لم تتركيه لي .. كم أنت أنانية .. فراس ! تصلبت همسة للحظات .. في حين غادرت ندى .. تاركة همسة في حيرتها .. وبعد لحظة .. صادفت همسة إحدى زميلاتها في الممر فقالت : إيمان ما به الدكتور فراس ؟ فابتسمت إيمان وقالت : لقد خطب الدكتور فراس .. عقبالك .. تجمد الدم في عروق همسة .. فقالت إيمان : الغريب أنها ليست طبيبة ولا تعمل في المستشفى حتى .. ولكنها تدرس في الجامعة .. في كلية الآداب .. خسارة .. كنت معجبة بشخصيته .. ابتسمت إيمان .. وتركت همسة التي راحت أفكارها توبخها .. وتنزل عليها بقوتها أفظع الكلمات .. وتدك حياتها دكاً .. أحست أنها تريد أن تنهار .. وأن الدنيا بها تدور .. لقد خسرت كل شيء .. خسرت فراس الذي كان من الواضح أنه أحبها .. وخسرت بشار الذي أعطته كل شيء .. ولكنه من الواضح أنه لا يفكر فيها البتة .. لقد خسرت كل شيء .. وامتلأت عينها بالدموع من جديد .. كم هي الدنيا قاسية .. توجهت بخطى ثقيلة جداً إلى غرفتها .. واتصلت على السائق .. وطلبت منه الحضور .. كانت الساعة لا تزال الثانية عشرة ظهراً .. ولازال أمامها الكثير من العمل .. ولكنها مرهقة .. مرهقة جداً .. بل تكاد تموت من التعب .. وخرجت بعد لحظات .. ورأسها يدور بمليون فكرة .. إنها حتى لم تعرف كيف خرجت من المستشفى .. ولم تنتبه لمن كان يناديها وهي لا تهتم أصلاً .. حتى وصلت إلى سيارتها .. دخلتها .. وأغمضت عينيها .. وراحت الأحداث تمر في رأسها المتعب في سرعة فائقة .. وتلملمت على عينيها دموع .. لم تستطع أن تحتفظ همسة بها .. فراحت تنساب على خديها من جديد .. وهي لا تتكلم .. ولا تكاد تتنفس .. وصلت إلى المنزل دخلت .. كان أول من صادفها .. أمها .. لم تحتمل مزيداً .. رمت نفسها في وسط أحضانها باكية .. كانت الساعة الخامسة عصراً .. حين أصدر جوال همسة رنينه المعتاد في صالة المنزل .. كان والد همسة وأمها موجودين في الصالة .. يتحدثان عن همسة .. رد الأب وقال : ألو .. " عفواً .. أليس هذا جوال الدكتورة همسة ؟ " فقال الأب : نعم .. من يتحدث ؟ فقال الرجل : أنا الدكتور علي رئيس الدكتورة همسة والمشرف عليها .. أين هي ؟ فقال الأب : المعذرة .. كانت أعصابها مرهقة للغاية .. لم تتكلم بشيء حتى .. فقط ذهبت للنوم .. أنا والدها يا دكتور علي .. هل حدث شيء ؟ إننا قلقون عليها .. صمت الدكتور علي وقال : لا أعرف في الحقيقة .. أتمنى أن تكون بخير .. على كل حال .. أحببت أن أخبرها .. أنه قد تحدد موعد سفرها إلى أمريكا أخيراً .. بعد أسبوعين إن شاء الله .. إجراءات البعثة تمت والحمد لله .. لا وقت لديها .. لا بد أن تعد نفسها .. فقال الأب وهو سعيد : شكراً يا دكتور علي .. سأبلغها حتماً .. وبعد انتهاء المكالمة .. تنهد الأستاذ سعود أبو همسة .. وقال لأمها : ألم تقل لك أي شيء؟ قالت الأم : Nothing .. I am very worried about her .. she just told me: لا أريد أن أتكلم مع أحد .. أنا مرهقة .. وأريد أن أنام .. فقال الأب : خيراً إن شاء الله .. لا بد أن خبر السفر سوف يسعدها | |
|
| |
"بيراوي"رومنسي" المشرف العام
عدد الرسائل : 831 السٌّمعَة : 0 نقاط : 283707 تاريخ التسجيل : 16/06/2009
| موضوع: رد: روايه واقعيه و مره جنان حب في مستشفى الجامعه بجده السبت سبتمبر 26, 2009 3:26 am | |
| الجزء الثاني عشر
هذا هو الجزء الجديد من قصتي والتي تأخرت .. لظروف خاصة .. ولكني أعدكم أن يكون هذا الجزء مليئاً بالتشويق لآخر قطرة .. وأنكم لسوف تلهثون من فرط التشويق ها أنا أقدم لكم .. الجزء الجديد من رائعتي : حب في المستشفى الجامعي بقلم : د.خالد أبوالشامات
مضت ثلاثة أيام على تلك الأحداث .. لم تستطع همسة أن تحضر للمستشفى .. طلبت إجازة .. وجاءها خبر السفر مكملاً تلك السلسلة التراجيدية من الأحداث الأخيرة التي صارت تستبيح عالمها بلا استئذان ..
وفي هذه الأيام .. راحت تفكر ..
ماذا ؟ هل أذهب ؟
أوليس هذا الحلم الذي راودني منذ أن كنت في سنة أولى طب ؟
أليس بشار قد تخلى عني ؟
ولكني قد وعدته ..
لا .. لا .. لا يهم الآن ..
هناك هدف أعلى ..
ولكني أحبه !
كان الصراع الذي يدور في رأسها كبيراً جداً ..
قلق عليها والداها ..
وكلما كانا يتحدثان لها .. كانت تتهرب من الإجابة ..
إن همسة ذلك النوع من الشخصيات ..
التي تتخذ قرارها بنفسها ..
ولا تحب أن تشغل الآخرين بمشاكلها ..
فهي تؤمن أنها لن تدع مجالاً لأحد كي يستخف بمشاعرها ..
أو حتى تصرفاتها ..
وكانت الأم هي التي ربت هذه الشخصية الأمريكية الأصل في نفسية همسة ..
إلا أن البيئة الشرقية التي تربت فيها كان لها أيضاً نصيب في التأثير على شخصيتها ..
ليجعل هذا الصراع محتدما بهذه الطريقة ..
المشكلة أنها كانت تفكر في تلك اللحظات التي قالت فيها تلك الكلمات لبشار ..
إنها لم تكن ضعيفة بهذه الطريقة في حياتها ..
لقد كانت تتعلق بقشة ..
ولكنها خسرت كل شيء ..
صحيح أنها تحبه .. ولكن كان لا بد لها أن تكون أكثر قوة ..
كيف فعلت ذلك ؟
إنما هي لحظة من التهور ..
لحظة من المجازفة التي قد تربح وقد تخسر فيها ..
وحقاً لقد خسرت ..
مضى بها التفكير كثيراً ..
آخذاً حيزاً عظيماً من عقلها وكيانها .. وقررت في النهاية ..
نعم لقد قررت أن تسافر ..
وأن تبتعد عن كل هذه الأشياء ..
عن بحث بشار ..
إنها لا تريد منه شيئاً ..
إنها لا تريد البحث ولا تريد تلك المعلومات ..
تريد أن تمسح الماضي كله وتلقيه في حفرة من حفر النسيان ..
ولا بد أن البعد سوف يساعدها على عدم التراجع ..
نعم .. إنها تقدر أن تقسي قلبها ..
تقدر أن تكون أقوى من ذلك كما كانت ..
لا بد أن تنحي العاطفة قليلاً في حياتها ..
وتعود همسة سعود .. الفتاة المعروفة بثقتها في نفسها ..
لا بد أن تفعل ذلك ..
وعندما وصلت إلى هذه النقطة من تفكيرها ..
نهضت بقوة ..
كانت مرتدية بجامة نوم بيضاء اللون .. عليها بعض الأشكال الملونة ..
تصل إلى منتصف الساعدين والساقين..
كانت فيها أشبه بدمية صغيرة ..
نزلت إلى الطابق السفلي ..
كان أبويها يتحدثان في اهتمام ..
سمعت همسة بعض الكلمات المتطايرة :
البعثة .. السيارة الجديدة .. جامعة فلوريدا ..
نزلت همسة وكأنما قوة الشخصية التي كانت لديها تضاعفت مرتين ..
فقالت بجمود : مساء الخير ..
وقف والداها هنا ينظران لها بخوف ..
فقالت همسة مظهرة لا مبالاة :
ما بكم ؟
إن هذه الطريقة الدفاعية التي يستخدمها بعض الناس كي يظل في إحساس بالأمان .. وأنه لا يزال مسيطراً على أمور حياته ..
ثم جلست معهم .. وظل والداها ينظران لها بقلق ..
أما همسة فنظرت قليلاً .. ثم تبسمت وقالت : حقاً .. ما بكم ؟
فقال سعود أبوها : همسة حبيبتي .. إننا قلقون عليك .. ليس إلا ..
فقالت الأم بعصبية :
At least you own us a story
فقالت همسة وهي تنظر لأبويها بعيون قوية .. مفتوحة على اتساع كبير يظهر أغلب الحدقة بزرقتها الجميلة :
ليس إلا أني سأفارقكم ..
ابتسمت الوالدان ..
وقام سعود واحتضن ابنته في حب حقيقي ..
أما همسة فاحتضنته وهي تحس بألف ألم وهي تقول في نفسها بصوت كم تمنت لو يُسمع : إنه بشار .. وليس أنتم ..
وكم هو من الواضح أن الأب وعلى غير العادة يظهر هذا القدر من الحب لابنته كطابع شرقي في حين أن أم همسة لا تظهر الكثير من المشاعر في العادة فهي التي ربت في همسة قوة الشخصية العملية في تركيب شخصيتها ..
وبعد أسبوع ..
أنهت همسة كل شيء بسرعة فائقة على غير المألوف ..
إنها تريد أن تذهب في أقرب فرصة ..
ورتبت كل حاجياتها للسفر ..
وقامت والدتها بحفلة كبيرة ..
دعت فيها كل الأقارب وكل الأهل ..
والحق يقال .. إن همسة كانت سعيدة ..
نعم فهذا ما كانت تحلم فيه ..
وكلما جاءت صورة بشار في مخيلتها حاولت التشاغل بأي شيء ..
حاولت المستحيل ..
ونجحت كثيراً ولكنها أخفقت أكثر ..
وكانت كل مرة تقول في نفسها :
البعد سوف ينسيني ..
ذلك هو حلمي ..
إنه لا يفكر في حتى ..
وبالطبع في هذه الأيام أخذت إجازة حتى تستعد لسفرها ..
وفرحت كثيراً بتلك الحفلة ..
قامت والدتها بإعداد طعام شهي للغاية حفاوة بابنتها الدكتورة .. على الرغم من أن الأستاذ سعود رجل أسهم وعقارات ذا وزن وإمكانيات مادية .. تجعله ببساطة يستطيع أن يوفر لها أرقى حفلة في أرقى فندق ..
ولكن الوالدان .. أحبا أن يكون الوضع عائلياً دافئاً ..
وقابلت همسة الجميع بابتسامة كانت لا تنغصها إلا سهام الذكرى التي كانت تطلقها ذاكرتها على قلبها متمثلة في بشار ..
وقابلت همسة قريباتها اللواتي لم تقابلهن منذ زمن بعيد للغاية ..
وتعمدت همسة أن تكون لطيفة أكثر من اللازم .. بل صارت تلاعب بعضاً من الأطفال ..
إنها تريد بحق أن يذكرها الناس بالخير ..
أحست كم كانت حمقاء ..
حين فضلت الطب على حياة عائلية كهذه ..
إنها في بعض الأحيان كانت تنسى اسم بنت عمتها الصغيرة ..
فتخجل من نفسها ولكنها في النهاية تناديها بكلمات عذبة حتى تتحاشى الإحراج : يا عسل .. يا حلوة .. يا قمر ..
وجاء يوم السفر المنتظر ..
إن رحلتها الساعة الواحدة بعد منتصف الليل ..
كانت تعد حقيبتها الأخيرة ..
لتحمل فيها بعض مستلزماتها الخاصة ..
وبينما هي كذلك ..
وقع يدها على الملف الأزرق ..
إنه ملف تجربة بشار ..
راحت تنظر إليه ..
وللحظات تاهت ..
وكأنما راحت في رحلة عميقة ..
وهي تتذكر بشار ..
بجلسته تلك على السرير ..
أخذت تمسح على الغلاف بيديها وتمسح على أجزاءه ..
لسوف ترجع الملف .. هذا أمر مؤكد ..
حتى ينتهي كل شيء يربطها ببشار ..
ولم ينقذها من هذا إلا صوت والدها وهو يطل برأسه من الباب قائلاً : حبيبتي همسة .. كل شيء على ما يرام ؟
نظرت له وأزالت خصل شعرها البنية المذهبة الأطراف وقالت :
أجل يا بابا .. لا عليك ..
أطال فيها النظر لبرهة ثم قال :
متأكدة أنك لا تحتاجينني كي آتي معك ؟
على الأقل في أول شهر حتى تتأقلمي مع الحياة هناك ؟
فقالت همسة وهي تبتسم بصدق :
لا .. شكراً يا بابا ..
هناك شخص مسئول من وزارة التعليم العالي سوف يستقبلني في المطار .. لا عليك ..
فقال الأب : على كل .. إن احتجت أي شيء ..
هناك ابن خال والدتك في Tampa
كلها ساعتين ويكون لديك ..
وإن احتجت بصدق لشيء هام .. لا عليك ..
أستطيع أن أحضر في أي لحظة ..
قامت همسة لا إراديا ..
واحتضنت والدها بحب حقيقي الذي تلقاها في صدره ..
وراح يحتضنها بقوة وهو يهمس في أذنيها : سوف أشتاق إليك يا حبيبتي كثيراً ..
ابتسمت همسة وتركت نفسها في حضن أبيها للحظات ..
أحست بالدفء .. بالأمان ..
التي لا يمكن أن تشعر به حتى في أحضان من تحب ..
كانت الساعة الثانية عشرة والنصف ..
حين كانت همسة تودع والدتها ووالدها في المطار ..
لحظات من التأثر ..
وعناق بدموع ..
ووصايا متعددة ..
وأحست همسة أنها تحلم ..
كانت رائحة المطار تلك تبعث في نفسها شعوراً عجيباً ..
والأصوات والهمهمات ..
كلها تلك بروتوكولات للمسافرين ..
كانت همسة لأول مرة تختبرها ..
ودخلت همسة إلى صالة المغادرين ..
وبعد دقائق دخلت من تلك الممرات البلاستيكية العجيبة ..
حتى وصلت إلى الطيارة ..
كانت المضيفة المغربية تحييها بتلك الابتسامة الأنيقة ..
وبعد لحظات كانت في مقعدها في الدرجة الأفق ..
ربطت حزامها ..
كانت تلبس معطفاً سكري اللون ذو أكمام طويل ..
على غير العادة ..
حين كانت تسافر فتكتفي ببنطلون واسع وفضفاض ..
وقميص طويل ..
وهذه المرة كانت تلبس حجاباً بنياً مزين بنقوش إكليلية ..
في هذه الفترة من حياتها ..
صارت همسة تنظر للإحتشام والأدب ..
بشيء من نظرة المهابة ..
بشيء من الأهمية في حياتها .. وصارت تعطي لها وزناً مختلفاً ..
ربما ما كان يقوله بشار هو السبب ..
وربما إحساسها الذي بدأ ينظر لهذه الأشياء بنظرة أكثر واقعية ..
ربما هي رغبتها في التغير نحو الأفضل وإلى الأبد ..
وربما كل هذه الأمور مجتمعة ..
استغرقت الطائرة اثنتي عشرة ساعة حتى وصلت إلى مطار أورلاندو
وعندما وصلت ..
استغرقت ساعتين أخريين ..
في التفتيش والجوازات ..
كان كل شيء يسير بنظام الساعة ..
لم تستغرق كثيراً حتى انتهت ..
أحست بإحساس عجيب ..
أحست أنها مسؤولة عن نفسها بكل ما تحمل هذه الكلمة من معنى ..
أحست من أنها لا بد أن تفعل كل شيء بنفسها ..
وأنها لا بد أن تبدأ من جديد ..
وأن تصهر حياتها بالقالب الذي تريده ..
وما هي إلا لحظات ..
حتى كان مبعوث وزارة التعليم موجوداً ..
كان رجلاً با**تانياً ذو ابتسامة عريضة ووجه حليق ..
أخذها من المطار ..
حتى يصل بها إلى : Gainesville
المدينة الجامعية التي تبعد حوالي ساعة ونصف عن أورلاندو
مدينة الترفيه العظيمة في ولاية فلوريدا ..
والتي تحوي ديزني لاند .. ويونيفيرسال ستديو
وغيرها من الأماكن .. التي يحلم بعض الأمريكان أنفسهم بالذهاب إليها ..
كان الطريق بديعاً بطبيعته الخلابة الرائعة ..
بل ببساطة استطاعت همسة أن تشاهد جميع أنواع الطقس التي يمكن أن تراها في رحلة واحدة ..
فالجو كان مشمساً للحظات .. وما لبث أن أصبح غائماً ..
ثم أمطر لحوالي ثلاث دقائق ..
ثم توقف المطر ..
شيء عجيب ..
وعلى الطريق تستطيع أن تشاهد المساحات الخضراء الواسعة للغاية ..
حتى إنها لتشبه كثيراً الجبل الذي كانت تسكن به هايدي في المسلسل الكرتوني الشهير ..
حتى الخيول .. والبقر والبيوت الخشبية العتيقة ..
وصلت السيارة إلى السكن الذي اختارته لها البعثة بعد اتفاق مسبق ..
Melrose compound
كان مجمعاً سكنياً مؤلف من وحدات سكنية متعددة ..
ولما وصلت شقتها التي كانت في الدور الأرضي .. شكرت الرجل ..
الذي كان في غاية التهذيب ..
وأعطاها كرته وقال لها في حال احتاجت إلى أي شيء ..
فإنها تستطيع أن تتصل عليه في أي وقت ..
وسوف يقدم لها الخدمة المطلوبة ..
كان الباب يفتح بواسطة البطاقة ..
وعندما نظرت إلى الباب ..
كان رقم شقتها : 642
توقفت برهة ..
تباً .. لم يحصل هذا لي ..
ولكنها تجاهلت كل هذا ..
ودخلت إلى شقتها .. التي طلبت أن يكون السكن فيها منفرداً ..
كانت الشرفة تطل على مساحة خضراء تخص كل وحدة سكنية ..
وقد بدأت بعض الأشجار تسقط أوراقها معلنة بداية الخريف ..
كانت جائعة للغاية ..
اتصلت على الدليل .. وطلبت رقم أي مطعم يوصل مجاناً ..
وما هي إلا ثلث ساعة بالضبط وكانت البيتزا تدق على بابها ..
جلست تأكل ..
وتركت أشياءها متناثرة ..
إنها بحاجة إلى الراحة ..
دخلت إلى غرفة النوم .. وتركت بقية الأغراض في الصالة ..
ونامت بملابسها ..
بعد أسبوع من وصول همسة ..
كانت قد بدأت تألف المكان شيئاً فشيئاً ..
ولكنها كانت تحس بوحدة كبيرة للغاية ..
كانت كل يوم تتصل بوالدتها ووالدها ما يقارب ساعة أو أكثر ..
أو تكلمهم عن طريق الماسنجر ..
ولكن أحياناً يكون فارق التوقيت عائقاً لكل منهم ..
ولكن المشكلة ..
أن هذه الوحدة لم تساعدها على نسيان بشار أبداً ..
بل زادت من التفكير به ..
حتى إنها أحيانا تغلق أذنيها .. حتى لا تحس بطنين اسمه ..
أو تفتح التلفزيون .. حتى تشغل نفسها ..
لم تكن دراستها قد بدأت ..
وإنما في بداية الأمر ..
لا بد من سنة كاملة .. إعدادية ..
تأخذ فيها بعض المواد الأساسية ..
قبل أن تشرع في برنامج الزمالة ..
في University of Florida
وطبعاً كانت الدراسة في البداية خفيفة ..
حيث إن الجد لم يبدأ بعد ..
ومضى أسبوع آخر ..
ولكن حالة همسة لم تتحسن بل زادت سوءاً ..
صارت تفكر في بشار بطريقة غير عادية أبداً ..
وانتهى بها الأمر أن صارت ..
تبكي ..
وتقول : أريد أن أنساك ..
أرجوك .. أريد أن أنساك ..
بل إن همسة فكرت كثيراً في أن تشتري بيرة أو أي شيء قد ينسيها ..
ذهبت وفتحت حقيبة ملأتها بالكتب العربية ..
وراحت تبحث عن واحد منها حتى تنشغل بالقراءة ..
ووجدته ..
وجدت الدب الأبيض في ركن الحقيبة الكبيرة ..
أخذت تنظر إليه للحظات ..
ما الذي أتى بك إلى هنا ؟
لا بد أنها أمي .. لا بد أنها هي التي فعلت ذلك ..
تباً !
لذلك لا أحب أن يرتب لي أغراضي أحد ..
ظلت تنظر فيه لبضع ثواني ..
ثم مددت يدها بأصابع مرتجفة ..
أمسكته ..
وراحت تتأمل في عينيه البنيتين ..
وأخذت تمسح على قبعته ..
ضحكت .. والدموع في عينيها ..
قبلت الدب ..
ثم وضعته مكانه ..
وراحت إلى الشارع تمشي غير عابئة بأي شيء ..
محاولة النسيان
كانت حالتها تزداد سوءاً ..
ووجودها وحدها لا يخفف عنها الأمر أبداً ..
بل إنه يزيده مشقة ..
حتى إن ذلك أثر في دراستها بشكل واضح ..
كانت كثيراً ما تسرح في الجامعة ..
بل إنها أصبحت قليلة الإهتمام ..
إنها لا تستطيع أن تحتمل كل هذه الأمور دفعة واحدة ..
أما كشكول همسة ..
فعانى من اسم بشار بكل الطرق والأحرف ..
في الركن .. في الطرف العلوي من الصفحة ..
بالعربي والإنجليزي ..
الأسبوع الرابع :
لم تستطع همسة أن تنام منذ أكثر من يومين ..
شعرها أصبح منكوشاً ..
ساءت حالتها الصحية بشدة ..
اتصلت أكثر من مرة على السعودية ..
ولكنها لم تكلم والدها ..
بل اتصلت على المستشفى ..
وصارت تسمع صوت بشار في كل مرة ..
معاناة حقيقية لمن يحب أن يتعذب بمن يحب ..
معاناة .. أن لا نستطيع النسيان ..
معاناة قد توصلنا إلى أشد الحالات كآبة في الدنيا ..
في لحظة واحدة .. نظن أننا قد سيطرنا على أنفسها ..
وفي اللحظة التالية .. نتراجع وننكمش وترانا نهوي في جنون الحب ..
كذب من قال إن كل الذين قرروا أن يتخلوا عن محبيهم استطاعوا ..
أو أن ذلك البطل الذي ترك حبيبته لأي سبب كان ورحل استطاع أن يمضي سنيناً من النسيان ..
لا إن المعادلة ليست بهذه البساطة أبداً ..
بل إن الموت والله يكاد يكون أقرب للإنسان من أن يستمر في هذا التعذيب النفسي الذي لا ينتهي أبداً .. | |
|
| |
"بيراوي"رومنسي" المشرف العام
عدد الرسائل : 831 السٌّمعَة : 0 نقاط : 283707 تاريخ التسجيل : 16/06/2009
| موضوع: رد: روايه واقعيه و مره جنان حب في مستشفى الجامعه بجده السبت سبتمبر 26, 2009 3:27 am | |
| كانت السماء ممطرة في ذلك اليوم ..
حين أكملت همسة شهراً كاملاً ..
شهراً كاملاً من العذاب النفسي ..
أما همسة ..
فقد كانت تنظر في النافذة المطلة على الشرفة ..
بعيون حزينة .. تنتظر لحظة الإيذان .. حتى ترسل تياراتها الدمعية ..
وحتى تسيل في الخدود المشمشية تلك القطرات البلورية ..
كانت تحس بغصة في حلقها ..
وزادت الأمطار حدتها ..
زادت كثيراً ..
حتى صارت تضرب الأشياء في صوت مسموع وبقوة ..
لن تستطيع أبداً أن تشاهد مطراً مماثلاً له هنا في السعودية ..
رياح سريعة وقوية وباردة ..
تجعل مسار حبات المطر في شكل منحنى ما ..
وللحظة ..
أحست همسة أنها تريد أن تنتحر ..
تريد أن تموت ..
تريد أن تصرخ ..
بكل الألم في صدرها بكل الوجع في قلبها ..
كانت ترتدي قميصاً رمادي اللون ثقيلاً من ماركة : GAP
وبنطلون جينز أزرق ..
وكان شعرها مرسلاً ..
وفجأة ..
فتحت باب الشرفة ..
وخرجت ..
في المطر ..
وراحت القطرات تنزل عليها بقوة كبيرة ..
حتى أنها تألمت قليلاً .. وتبللت في ثواني كما لو أنها دخلت في مسبح من شدة المطر ..
والجو بارد .. جعلها ترتجف من البرد ..
ولكن قلبها كان يفكر في بشار ..
بشار وحسب ..
إنها بحق لا تعرف حتى لم تفكر فيه كل هذا التفكير ..
عقلها يبعدها عنه بكل الطرق وقلبها لا يريد أن يتزحزح قيد أنملة حتى ..
وقفت ورفعت وجهها للسماء ..
وأغمضت عيناها ..
والمطر يضرب جفونها في غزارة ..
ولكنها أخيراً صرخت بكل قوتها
بكل المشاعر في نفسها ..
بكل الأحاسيس التي حملتها ..
بكل العذاب الذي قاسته في هذا الشهر ..
آآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآه
لم يكن لصوتها صدى ..
لم يهتم أحد ..
لم يكن أحد ينظر لها حتى ..
سقطت على ركبتيها ..
وراحت تبكي في مرارة ..
كانت دموعها وكأنها تتحدى المطر ..
كانت ضعيفة ..
بقدر القوة التي أجبرت نفسها أن تتحلى بها وقت السفر وفي الأيام التي قبلها ..
كيف لك أيها الحب أن تدخل أعمارنا .. وتستبيح أحلامنا ..
وتغير من مسارات حياتنا ؟!
كيف لك أيها الحب أن تعبث بنا كريشة في مهب الريح ..
كيف لك أن تنزع كل كبريائنا وقواتنا وأشياء أقسمنا ألا نغيرها؟!
كيف لك أيها الحب .. كيف ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟!!!!!!!!
بعد يومين كانت أم همسة وأبوها في شقتها ..
والأم تجلس بجوار همسة تحتضنها في السرير ..
لقد أصيبت همسة بنزلة برد حادة ..
اتصلت على أهلها .. وأخبرتهم أنها تحتاجهم بشدة ..
ترك الأستاذ سعود كل ما لديه هناك ..
وحجز على أول طيارة وجاء ..
أما همسة .. فكانت ترتجف من البرد .. وهي تقول :
ماما .. لا أستطيع أن أبقى ..
أريد أن أعود ..
لا أستطيع أن أبقى هنا ..
لم تحتمل الأم ..
لم تستطع أن ترى ابنتها تعاني كل هذا ..
احتضنتها بخوف حقيقي وهي تقول : لا تخافي يا حبيبتي .. لا تخافي أنت معي الآن .. أنا ماما ..
التفتت الأم وقالت لسعود :
I will not back without my child !
نظر فيها سعود للحظات ..
اقترب هو أيضاً من همسة ..
وقال : حبيبتي همسة .. إن كنت تودين أن تعودي ..
فلنرجع لا عليك ..
ولكن همسة أخذت تنظر فيهما وهي تذرف الدموع وتقول :
ولكن حلمي .. وطموحي .. ماذا سيقول الناس عني ..
قال لها : فليقولوا ما يشاؤون .. بنتي عندي أهم من الدنيا كلها ..
ولا تهمك وزارة التعليم العالي ..
سأتكفل أنا بكل شيء ..
لا تخافي يا حبيبتي .. نحن كلنا معك ..
بكت همسة مرة أخرى ..
فراحت أمها تحتضنها وهي تحس بالألم ..
بعد خمسة أيام ..
كانت همسة قد وصلت إلى السعودية ..
لم تستطع البعد ..
لم تستطع أن تترك حبها بهذه الطريقة ..
وإن كان الثمن مستقبلها وحياتها ..
إن الأمر أكبر منها ..
بحق إنها لا تستطيع ..
من السهل جداً أن نتحدث عن سخافة وضعف ما فعلته همسة ..
وحتى همسة كانت ستقول عبارات في غاية القسوة ..
لو ما شاهدت فتاة تفعل بنفس صنيعها ..
ولكن لا يستطيع أحد أن يدرك الجحيم الذي عاشته همسة ..
إنها لم تستطع أن تستمر ..
ولما رجعت إلى غرفتها ..
أحست بألفة ..
نعم .. أحست بدفء حقيقي ..
أحست كم هي تحب غرفتها هذه ..
كم تعشقها ..
وضعت رأسها على سريرها ..
وغطت نفسها ..
أحست براحة غير عادية على الإطلاق ..
ونامت على الفور ..
استيقظت همسة في نشاط وراحة ..
كانت الساعة التاسعة مساءً ..
لقد نامت حوالي ثماني ساعات متواصلة ..
نهضت وصلت صلواتها بسرعة ..
ولما انتهت ..
جلست مع أبويها في الأسفل ..
يتجاذبون أطراف الحديث ..
لم يحاول واحد منهم أن يسألها عما تنتويه ..
ولا ما تفكر فيه الآن ..
أهم شيء أن ابنتهم لديهم الآن ..
وأنها بخير وصحة وعافية ..
حتى لو توقفت عن الدراسة ..
بل حتى لو خرجت من وزارة الصحة .. وعادت بنتاً عادية ..
لا يهم ..طالما أنها بخير وسعيدة ..
كثير من الناس يخطئون في تقدير السعادة ..
ويقيسونها بالإنجازات .. والمال .. والأسبقية للمركز الاجتماعي ..
في حين أن أحداً منهم .. لا يعرف قيمة الراحة النفسية والقناعة ..
وأنها أهم من أي شيء في الدنيا ..
وفي الحادية عشرة ..
لبست همسة ..
كانت تستعد للمشوار الذي كانت تفكر فيه منذ أن قررت أن تعود إلى السعودية ..
متخلية عن كل شيء من أجله ..
لبست لبساً خفيفاً ..
ولبست معطف الأطباء ..
وضعت بطاقة المستشفى التي كانت ما تزال تمتلكها ..
وراح عقلها يسرد عليها آلاف الصور السريعة ..
" نظارة أم خمسة ريالات "
" عصير تروبيكانا الدوائي الطعم "
" ضحكة قصيرة يطلقانها سوية "
" لم أفهم هذه النقطة "
" إني أحبك "
" صورة لبشار وهو فوق السرير "
" دموع همسة في غرفتها "
عضت همسة على شفتيها وهي تتذكر كل هذه الأشياء ..
وراحت تقول في نفسها :
لقد استسلمت لك يا بشار ..
أعترف ..
لم أستطع أن أتخلى عنك ..
ليس لأني طيبة .. أو أني أود أن أساعدك ..
بل لأني لا أقدر ..
لا أقدر أن أعيش بدون أن أراك كل يوم ..
لا أقدر أن أعيش دون أن تسخر مني ..
لا أقدر أن أعيش دون أن تعبث بحياتي ..
لا أستطيع أن يكون لي معلم غيرك أنت ..
لا أقدر أبداً ..
صحيح أنك لا تحبني ..
ولكن ..
أنا أحبك ..
وأرضى أن أكون فقط إلى جوارك ..
خرجت من المنزل بعد أن قالت لوالديها أنها ذاهبة إلى المستشفى لبعض الإجراءات الضرورية ..
ورغم إصرار أمها على تأجيل المشوار ..
إلا أنها أصرت وقالت بأنها لن تتأخر ..
ركبت همسة السيارة ..
وتحركت السيارة ..
شغلت فرقتها المفضلة بلو ..
وراحة تستمع ..
وأحست براحة عجيبة ..
حين راحت مدينة جدة تطلع عليها ..
بشوارعها .. وأنوارها .. وأهلها .. والضوضاء التي تعمها ..
والحياة التي تضج بها ..
ببساطتها .. وفقرها وغناها ..
بكل شيء فيها ..
إن هذا هو موطنها ..
وصلت المستشفى ..
وكأنها لأول مرة تدخله ..
راحت تتأمل تلك الأعمدة الصغيرة التي تحيط الدوار الأخضر أمام بوابتها ..
والتي تنتهي بأضواء خافتة ..
تبدع منظراً في غاية الجمال
دخلت همسة من البوابة الزجاجية التي تفتح تلقائياً ..
كانت الثريا العظيمة تواجهها ..
وفي الوجه مباشرة .. نصف دائرة رخامية .. للاستعلامات ..
وفي اليمين صالة الاستقبال الخاصة بكبار الشخصيات ..
كانت الفخامة تملأ المكان ..
والنخيلة التي كانت تنتهي كشمسيات زجاجية ..
وحولها مقاعد خضراء اللون تتوزع في البهو الوسيع ..
أما في اليمين .. فيربض المصلى الأنيق والجميل ببساطه الأزرق الملكي ..
تقدمت همسة للأمام والابتسامة على ثغرها تكاد تشقها شقاً ..
نحو ممر خاص بالمصاعد الذهبية
التي يبلغ عددها ثمانية مصاعد
في كل جانب أربعة منها
وعلى الحائط في المقابل
خريطة للدور الاول
كانت المستشفى ضخمة بحق
7 أدوار كاملة
شيء بديع وجميل للغاية
ولكن الممرات كانت ضيقة جداً ..
والغرف جوار بعضها البعض
شيء للأطباء
وأخرى فقط لإقامة مجموعة دراسية مصغرة ..
وأخرى للمختبر
وكلها بجوار بعضها
راحت همسة بين الممرات تدخل من واحدة إلى واحدة .. وهي تعرف طريقها ..
إلا أن المستشفى تكاد أن تكون متاهة بالفعل
مع كثر التعقيدات التي فيها لمن لا يعرفها ..
والتي تع** العقلية التي تقوم بالتدريس ..
كانت أصوات الهاتف ترن في كل مكان كما اعتادت همسة في السابق .. ونداءات للأطباء في التوجه إلى بعض الغرف لحالات طارئة ..
والناس ينتشرون في كل الأنحاء
لا سيما الأطفال
الذين تجدهم في كل مكان
بمختلف الحالات والهيئات ..
كل هذه الأمور كان لها تأثير خاص على همسة ..
وشعور بالألفة والراحة النفسية ..
وراحت تقول في نفسها :
هنا أريد أن أموت ..
كم أحب هذا المكان ..
إنه منزلي .. بحق ..
عدد الساعات التي أقضيها هنا أكثر بكثير من الساعات التي أقضيها في المنزل ..
وصلت همسة إلى الدور الثاني ..
وتوجهت إلى الغرفة ..
وكلما اقتربت ..
كان قلبها يدق في عنف واضح ..
اقتربت حتى وقفت أمام الباب ..
نظرت إلى رقم الغرفة : 642
جمعت أنفاسها المتسارعة ..
طرقت الباب ..
ودخلت
| |
|
| |
"بيراوي"رومنسي" المشرف العام
عدد الرسائل : 831 السٌّمعَة : 0 نقاط : 283707 تاريخ التسجيل : 16/06/2009
| موضوع: رد: روايه واقعيه و مره جنان حب في مستشفى الجامعه بجده السبت سبتمبر 26, 2009 3:28 am | |
| ((الجزء الثالث عشر والاخير))
دخلت همسة ..
ووجها يكاد يشرق ابتساماً ..
وهي تريد أن تملأ عينيها من بشار ..
ولكنه لم يكن موجوداً ..
أصابت همسة خيبة أمل كبيرة للغاية ..
ترى أين سيكون ؟
ذهبت إلى الممرضة وسألتها عن بشار ..
قالت : I do not know ..
It seems that he went somewhere
قررت همسة التجول قليلاً في الأروقة لحين عودته ..
راحت تتمشى قليلاً ..
وهي تحس بالانتعاشة ..
وجدت نفسها أمام غرفة الدكتور علي الذي كان باب غرفته موارباً ..
طرقت الباب بلطف ..
ولما شاهدها الدكتور علي تفاجئ وقال :
همسة ؟
ابتسمت همسة وقالت له : مرحباً دكتور ..
كيف حالك ؟
ابتسم لها باستغراب وقال : الحمد لله ..
كيف حالك أنت ؟
أليس من المفترض أن تكوني في أمريكا الآن؟
تنهدت وهي تنظر نحو مكتبه .. وقالت :
لم أستطع أن أكمل هناك الدراسة لوحدي ..
تعبت كثيراً ..
اضطررت للعودة ..
نظر فيها الدكتور علي قليلاً ثم قال :
هل عودتك نهائية ..
أم أنها فقط إجازة ؟
فقالت همسة وهي تعض على شفتيها :
لا إنها نهائية ..
فقال الدكتور علي :
لم يا دكتورة ؟
لقد أضعت على نفسك فرصة عمرك ..
هل تعلمين كم من الطلاب يحلمون بفرصة مماثلة ..
إن فرصة كهذه لن تعوض أبداً ..
ثم بدا منفعلاً وهو يتابع :
لقد قلت لك ..
إن مثل هذه الحال المائع لن يجدي في الطب أبداً ..
لا بد أن تكوني قوية ..
قولي لي .. ماذا ستفعلين الآن ؟
هل ستبقي طبيبة عامة فقط ؟
أبعد كل هذا التعب تتركي ما سعيت من أجله ..
ما قد يدفع أحد الطلاب الأموال الطائلة في سبيله ؟
أحست همسة أن الدكتور علي منفعل جداً ..
وأن كلامه قاسي وموبخ ..
أحست أنها لا تريد أن تسمع ..
ولكن الدكتور علي لا يقدّر أن العواطف مهمة في مجال العمل ..
إنه صارم ..
يقدس العمل إلى أقصى حد ..
إلى درجة أشبه ما تكون بالعبادة ..
فقال : لقد دمرت حياتك ..
وحكمت على مستقبلك المهني بالفشل ..
"أنا أعترض معك في هذا الأمر .. "
انبعث هذا الصوت من خلف همسة ..
التي نظرت بقوة نحو الصوت ..
كان بشار يقف هناك عند الباب ..
وفي عينيه تلك اللمعة الواضحة ..
بسمنته ..
وبكل التفاصيل التي تحفظها همسة عن ظهر قلب ..
التفت له الدكتور علي .. والذي بدا أنه ثائر وقال :
عفواً .. من أنت؟
فقال بشار متجاهلاً كلامه :
بعض الناس تهتم لأمورها الشخصية .. وتأخذ لها اهتماماً وحيزاً من حياتها أكثر من البعض الآخر ..
العمل والطب والدراسة ليست نهاية الكون ..
ما فعلته الدكتورة همسة لا يعتبر إلا حقاً من حقوقها أن تعيش إنسانة بدلا من استعباد الطب لها بهذه الطريقة السخيفة ..
أحس الدكتور علي أن هناك من يختلف معه في المنطق والمبدأ ..
فقال : إن كانت هي على هذا المبدأ .. لم دخلت الطب من أساسه ؟
الطب تضحية .. وليست مجرد تسلية .. إنها مسئولة عن حياة بشر ..
فقال بشار : ولم تطلب منها المزيد ؟
إن هذا ما تستطيع أن تقدمه ..
لم تريدها أن تفني حياتها من أجل الآخرين ..
في حين أن الآخرين لا يهتمون كثيراً لحياتها ؟
حتى الرواتب لا تساوي أن أقتل نفسي من أجل هؤلاء الناس ..
فقال الدكتور علي :
الطب رسالة .. ومهمة إنسانية ..
وليست تجارة مال ..
قال بشار : وأنا لم أقل بأنها تجارة ..
ولكني قلت .. إنها لا تحتاج أن تفني عمرها من أجل الإنسانية تلك ..
إن هذا أبسط خيار لها في الحياة ..
إنها حياتها .. وليس لأنها طالبة نجيبة لا بد أن تكون دكتورة لامعة .. تتخصص في أصعب المجالات ..
هذه حياتها .. وهي من ستدفع ثمن اختيارها ..
وليس أنت ..
ليس أنت الذي لن تتزوج لأنك أفنيت عمرك كله في هذا الطب ..
بل هي ..
قال الدكتور علي بحدة :
ومن أنت حتى تتكلم عنها ؟
إن لديها لساناً حتى تتحدث ..
فقال بشار بقوة وصلابة :
أنا خطيبها .. الدكتور بشار ..
همسة على طول النقاش كان قلبا يضرب بقوة ..
ولما قال بشار ما قال .. أحست أنها لا تكاد تقول كلمة واحدة ..
تابع بشار كلامه بقوة الواثق .. دون أن يجفل للحظة :
وأنا الذي خيرتها بين أمريكا وبيني ..
توقف الدكتور علي للحظات ..
لم يعرف ما يقول ..
إلا أنه غمغم : بالتأكيد هذه حياتها ..
ولكم حرية التصرف ..
هنا قال بشار لهمسة :
أنتظرك في الخارج ..
وذهب ..
أما همسة فقد أحست أنها في غاية الإحراج ..
نهضت وهي تقول : أنا آسفة يا دكتور ..
لم أقصـــــــ ...
قاطعها الدكتور علي وقال :
لا بأس يا دكتورة ..
خيراً إن شاء الله ..
خرجت همسة ..
وهي تحس بشعور لا يوصف ..
بشار ..
لقد رأته ..
لقد كان إلى جانبها ..
كم هو رائع ..
إنه بحق حب العمر ..
لن أنسى له أبداً ما فعل ..
"أنا خطيبها الدكتور بشار "
تذكرت همسة هذه الكلمات ..
فأحست بخجل بلا حدود ..
أحست أنها تود لو تقفز فرحاً ..
ولكنها ابتسمت ..
كان بشار ينتظرها في غرفته ..
دخلت الغرفة وهي في غاية الخجل والحياء ..
أما بشار فكان ينظر لها بنظرات غريبة ..
كانت مزيجاً بين خيبة الأمل والتساؤل والدهشة ..
نظرت فيه همسة وقالت بابتسامة كلها خجل :
كيف حالك يا بشار ؟
ابتسم لها وقال : الحمد لله ..
كيف حالك يا دكتورة ؟
فقالت : بخير ..
دام الصمت للحظات ..
فقال بشار : لم عدت ؟
جلست همسة في الكرسي الذي طالما جلست عليه ..
ثم راحت تلعب في أصابعها قليلاً ثم رفعت عينيها وهي تتنهد قائلة :
عدت لأني لم أستطع أن أتحمل ..
كانت نظراتها قوية ..
تخفي وراءها الضعف ..
تخفي ورائها الكثير من المشاعر ..
جملة واحدة ..
يفهم كل واحد منهما معناها جيداً ..
أما بشار ..
فراح ينظر بعيداً ..
وهو يعض على شفاهه بقوة ..
ثم نظر لها وقد احمر وجهه وعيناه ..
وأحست همسة أنه يعاني وهو يقول لها :
رجعت بسببي ؟
قالها .. وامتلأت عيناه بالدموع ..
أما همسة .. التي لم تتصور في يوم أنها سترى هذه النظرة على وجه بشار ..
وراح قلبها يعصف بالحب ..
أجل .. قلها يا بشار ..
قلها ..
قل بأنك تحبني ..
قل بأن ما فعلته كان من أجلك بحق ..
قل أي شيء ..
أي كلمة ..
وتعلقت عيناها بشفتيه ..
وهنا نزلت على خد بشار دمعة سريعة ..
من عين طفحت مشاعرها ..
فقال لها بصوت مختنق :
إني لا أستحق شيئاً مما فعلت أبداً ..
لا أستحق ..
راع همسة منظر بشار .. وهو يقول لها هذه الكلمات ..
فقالت له وراحت دموعها تتجمع في عينيها هي الأخرى :
بشار ..
أنا أحبك ..
قالتها بصوت أقرب إلى الهمس ..
فنظر لها بشار بنظرة ضيقة .. في غاية الألم ..
والدمعة تلي الدمعة ..
وقال : أنت لا تفهمين أي شيء ..
أنت لا تفهمين أبداً ..
مسحت همسة دموعها من تحت نظارتها وقالت :
بشار .. ما الموضوع ؟
فقال لها بنظرة حزينة : هل تريدين حقاً أن تعرفي الموضوع ؟
أومأت برأسها وقد أحست بالفضول يطغى على مشاعرها..
قال بصوت مبحوح : صدقيني لن تفرحي كثيراً ..
ستشعرين بأقسى ألوان الألم ..
ستتمنين أنك لم تولدي حتى ..
سترغبين بأنك لم تقابليني في حياتك أصلاً ..
همسة راحت تنظر له مستفهمة وهي تحس بالغرابة ..
فقال بشار .. والدموع تتساقط من عينيه :
أنا كذاب ..
أنا لست بشار الذي تعرفين ..
همسة زادت حيرتها أكثر فأكثر ..
قال بشار :
كل الذي قلته لك ..
كان كذب ..
أنا .. لم أذهب إلى اليابان في حياتي ..
ولم تكن هناك فتاة اسمها مايا تزوجتها ..
تجمدت همسة في مكانها ..
وأحست أن سكونا رهيييييييييييييييييييييييباً في كيانها ..
قالت وهي تكاد ترتجف :
ماذا تقول ؟
قال لها بشار وهو لا يكاد يشعر بشيء :
تلك هي الحقيقي يا همسة ..
أنا لست بكاتب لبحث الجين Tp53
أنا لا شيء ؟
توقفت همسة وهي في حالة من الجنون وقالت :
ما هذا الجنون الذي تقوله ؟
بقي أن تقول لي أنك لست طبيباً حتى ..
وأن اسمك ليس ببشار ..
وصارت تصرخ فيه ..
قاطعها وقال :
لا .. إني طبيب ..
ولكني طبيب عام .. توقفت عن ممارسة الطب هذه السنة بسبب مرضي ..
واسمي بشار كما هو مدون لديك في الأوراق الرسمية ..
لن أستطيع التزوير فيها أبداً ..
قامت همسة من مكانها وهي في حالة من العصبية وهي تقول بانفعال .. ويديها تتحرك بمنتهى الحدة :
لازلت لا أصدق ..
أنا لا أفهم ..
ما الذي تحاول أن تقوله أنت ؟
فقال لها بشار :
سأحكي لك ..
تنهد للحظات ثم نظر فيها .. وقد جفت دموعه وقال :
اسمي بشار البدري ..
مريض بالسرطان ..
سرطان العظم ..
تخرجت من كلية الطب قبل خمس سنوات تقريباً ..
ثم توقف قليلاً ..
فقالت همسة بانفعال شديد : أكمل ..
لم توقفت .. أم أنها كذبة جديدة أخرى ؟
نظر لها بشار وقال وحدقتاه تهتز من الدموع :
والله لا أعرف من أين أبدأ كلامي ..
ولكن لا يهم أي شيء ..
إلا أن تفهميني ..
أنا شاب تربيت في بيت جدتي .. بعد وفاة والديّ في حادث سيارة ..
ليس لدي أي أخوة ..
لقد كنت أبلغ خمسة أشهر حين ماتا ..
وكبرت ..
إنسانا ضعيفاً هزيلاً ..
يتيم الأب والأم ..
فقالت له همسة بحدة : وما أدراني أنك تقول الآن الصدق ؟
قال لها : تستطيعين أن تتأكدي من خال أمي الدكتور أسامة آصف ..
لا أظن أن بروفيسواً مرموقاً مثله يخاطر بسمعته ويكذب من أجل شاب مثلي ..
فقالت بقوة : نعم سأسأله ..
نظر فيها وقال بقوة :
همسة ..
إن شئت أن تسمعي ما لدي ..
فاسمعي .. وإن لم تريدي .. فلك الحق ..
ولكني هذه المرة لا أقول لك إلا الصدق ..
كان من السهل على أن أجعلك تصدقين كل كلمة ..
كان من السهل أن أستمر في خداعك ..
لم يكن لدي أدنى سبب كي أخبرك الحقيقية ..
صمتت همسة وهي ترمقه بنظرات حاقدة ..
فقال : وضعت كل همي في دراستي ..
صحيح أن جدتي .. كانت تحبني كثيراً ..
ولكن ما استطاعت أن تكون لي أباً وأماً في الوقت ذاته ..
لم تستطع أن توفر حناناً لشخص مثلي ..
يحتاج إلى قدر هائل من الحنان ..
درست ..
تفوقت حتى أكمل النقص في نفسي ..
أحببت فتاة صغيرة في حياتي ..
كانت ابنة الجيران ..
رويدا ..
ولكنها كانت تكرهني ..
لا أدري لم ؟!
والله لا أعرف إلى هذا اليوم لم تكرهني ..
لم أفعل شيئاً ..
ربما لأني كنت خجولاً ..
ربما لأني كنت ساذجاً ..
ربما لأني لم أكن مضحكاً ..
ربما لأن العادات التي ربتني عليها جدتي الدينية والأخلاقية والاجتماعية ..
جعلتني لا أقدم إلا على نظرات خجولة ..
وكلمات هامسة في مناسبات صغيرة ..
ورسالة واحدة فقط ذقت الأمرين حتى وصلت لها بعد سنة كاملة ..
كان عمري آنذاك 18 سنة ..
انطويت على نفسي ..
بكل المعاني ..
وجاءت دراستي في الطب لتكمل باقي القصة ..
لتبدأ في مرحلة انعزالي التامة عن كل معاني الحياة ..
دخلت في السكن الجامعي ..
واعتزلت الناس فيه ..
كان في شعور كبير ..
أن الناس كلها تكرهني ..
وبأني لست الإنسان الذي يستحق الحب ..
بدأت أتغير ..
بدأت شخصيتي تتحور ..
حتى أصبحت ما عليه أنا الآن ..
إنسان ساخر ..
لا يقيم لكثير من أمور الحياة وزناً ..
كثير الضحك ..
يتصنع المرح بهبالة ..
واثق من نفسه إلى حد كبير ..
أجل تغيرت وأنا في كل مرة أفكر وأقول :
هل هكذا كنت تريدينني يا رويدا ؟
ومع السنوات ..
قمت بأكثر ما يكون غرابة في الدنيا ..
نظر في همسة التي كانت عاقدة لحاجبيها ..
ولكنها كلها تصغي إليه ..
فقال بعد أن ابتلع ريقه :
قمت بابتداع تلك الشخصية .. مايا ..
نظرت فيه همسة باستغراب وقال :
ابتدعت مايا ؟!
فراح بشار يقول في حماسة :
نعم ابتدعتها ..
مايا ..
فتاة بكل المواصفات التي أحتاجها في حياتي ..
مايا ..
تلك الإنسانة العذبة الرقيقة ..
تلك الملاك الطاهر ..
مايا ..
حلمي أنا الحقيقي ..
لا أعلم فعلاً هل ما قمت به دور من أدوار البطولة ..
أو أحد صفات الجنون ؟
لا أعرف حقاً إن كان هذا الفصل من حياتي هو غباء أم ذكاء ؟
كنت في مرحلة المراهقة وفي ذروتها ..
وفي نظري .. كان الذكاء .. أن أتجاوزها بأقل الخسائر الممكنة ..
ولكني أعترف أنها كانت حماقة ..
فلقد أحببت شخصية تخيلتها أنا ..
حب لم يحبه إنسان قبلي ..
ليس في قوته ولا شدته ولا ثورته ..
بل في فكرته المجنونة ..
لقد كانت فكرة شيطانية تغلغلت في أحشائي ..
ونفذتها ..
همسة قد لا تصدقين ..
ولكن عندي ما يقارب 16 مجلداً كاملاً ..
16 مجلداً ..
من كلام الحب والغرام ..
امتلأ برنين الهواتف والحديث المعسول والجنون المطفق ..
كلها خيال في خيال ..
16 مجلداً .. أحتفظ بها كالكنز ..
كتبت فيه بالتفصيل ذكرياتي مع مايا التي صنعت ..
كتبتها على مدى 7 سنوات الطب ..
وأنا أوهم نفسي بهذا الحب المزيف ..
أضحك على نفسي بتلك الكذبة التي اخترعتها أنا ..
حتى لا أنزلق في علاقات غرامية لا ترضى بها مبادئي التي تربيت عليها ..
وحتى أستطيع أن أحصل على الفتاة التي أريد ..
أوهمت جميع من أعرف بالإنسانة التي أحب ..
بل إني كنت أصنع لها الهدايا التي قد تكلفني جزءاً كبيراً من مدخراتي ..
ثم ألقيها بجوار البحر ..
أو حتى في حاوية للنفايات ..
شيء في منتهى الجنون ..
ولكنه حصل ..
وصفت كيف تقابلنا ..
وصفت كيف قلت لها لأول مرة في حياتي أحبك ..
وصفت المحادثة التلفونية التي كنت أتخيلها بمنتهى الدقة ..
أدخلت عليها كل تفاصيل حياتي ..
وأشركتها في كل صغيرة وكبيرة في عمري بلا استثناء ..
واستمرت معي طوال دراستي في كلية الطب ..
بل إني أحيانا أوكلها لتتخذ عني قراراتي ..
لا أدري .. لم سيطرت على حياتي ..
وصدقتها ..
ربما لأني أريد أن أصدق أني شخص يستحق أن يُحب ..
ربما لأني أود أن أصدق أني أحب هذه الفتاة الخالية من كل العيوب ..
هذه الفتاة المفصلة على مقاسي أنا ..
هذه الفتاة التي جعلتها تمدح من أحب ..
وتلعن من أكره ..وتدعو عليه بالموت ..
كانت مرآتي أنا في أحيان كثيرة ..
كانت صوت الحق تارة في نفسي ..
وصوت الشيطان مرة أخرى ..
وظللت اكتب فيها مئات كلمات الحب والغزل ..
كانت تشاطرني الفرحة ..
وأيضاً الدمعة ..
قبلت أن أعيش بها إلى نهاية العمر ..
وأن أتزوج أوراقي وشخصيتي الوهمية ..
مايا ..
كتبت اسمها بالدم في دفاتري ..
وفي كل يوم كنت أراها أنثى أخرى ..
مرة تشبه تلك الممثلة ..
ومرة أجمل من تلك المغنية ..
ومرة في طهارة تلك الفتاة المحشمة ..
صدقيني إن قلت لك ..
أنها في نظري قد وصلت الكمال ..
من جمال وحشمة وأدب وتربية وعائلة وتواضع وأخلاق ورومانسية وحب وولاء وإخلاص ورضى وقناعة ..
كل المواصفات التي تستحيل أن تجدينها في بشر ..
صنعتها أنا في مايا ..
وبعد أن تخرجت ..
استمرت مايا معي .. لسنة واحدة تقريباً ..
فكرت في الزواج الحقيقي ..
ولكن مايا ..
كانت العقدة أمامي ..
صرت أقارن كل فتاة بمايا ..
إلى أن قالت لي جدتي :
اختر أنت الفتاة التي تناسبك ..
لم أستطع أن أجد فتاة تروق لك ..
طلباتك صعبة جداً ..
ولكن مايا بدأ وجودها يضعف في حياتي ..
كنت لتوي طبيباً متخرجاً من الجامعة ..
إلى أن جاء ذلك اليوم ..
حين رأيت مايا الحقيقية !
قالت همسة : مايا الحقيقية !
أتريد أن تجعلني معتوهة بهذا التعقيد ..
قال بشار :
ليس تعقيداً أبداً ..
وإنما ببساطة ..
كانت هناك مريضة يابانية اسمها مايا ..
جاءت لتعالج في المستشفى التي كنت أعمل بها ..
كانت جميلة ..
ولكنها ليست كصورة مايا التي رسمت .. والتي كانت شرقية الملامح جداً ..
ربما كان الاسم له طنين خاص للغاية ..
فقط أحببتها لاسمها ..
كان لديها ورم خبيث ..
كانت ابنة لأحد أعضاء الملحقية الثقافية اليابانية بالسعودية ..
أما أنا فجن جنوني ..
أحسست أن هذه هي مايا ..
صرت أغير في شخصية مايا الخيالية ..
وألائم عليها الصفات التي أعرفها ..
أو حتى اضطر إلى تغيير شخصية مايا الخيالية ..
قالت همسة وهي تحس بعسر في الفهم : لم أفهم ..
تنهد بشار وقال :
هناك مايا الخيالية التي اخترعتها أنا ..
وهناك مايا الحقيقية المريضة .. التي رأيتها في عالم الواقع عندما تخرجت ..
حاولت ببساطة أن أدمج الخيالية في الحقيقية ..
حتى أتوهم أن هذه الفتاة هي التي أحببت منذ زمن بعيد ..
وبدأت رحلة حب غريبة ..
حب فتاة لا أعرف عنها إلا اسمها ..
كنت أحس بمهابة رهيبة في أن أتحدث معها ..
فقط كنت أمر كل يوم على غرفتها ..
حتى أراها وأذهب ..
كانت ترسم ..
ولذلك كانت مايا التي حكيت لك رسامة ..
قالت همسة :
ولم كانت مايا التي أخبرتني عنها قصة مختلفة ؟
نظر بشار فيها .. وقال :
لأن مايا الحقيقية ..
لم يمضي على وجودها أيام قلائل إلا وسافرت وعادت إلى اليابان .. بعد أن تأكدوا من أن لديها ورما خبيثاً في الكبد ..
وعندما ذهبت ..
أحسست أن الدنيا كلها تتهاوى من حولي ..
فقررت إنشاء مشروع محاكاة جديد ..
مايا 2
6 مجلدات أخرى ..
وكيف أني ذهبت إلى اليابان ورأيتها ..
ألم تلاحظي أن قصتي مليئة بالمفارقات اللامعقولة ..
هل تتوقعي أن طبيباً يابانياً يتبنى طفلاً سعودياً ..
لا وبل يُمنح بعثة على حساب الجامعة؟
هل رأيتني يوماً أتحدث شيئاً من اليابانية ؟
حتى البحث الموجود على النت alphaTp53
موجود باسم الدكتور ميان ..
لم يكن من تأليفي ولا شاركت فيه أبداً ..
قفزت هنا مايا وقالت :
إذا كيف كنت تعرف كل شيء فيه ..
ورحت تشرحه لي بمهارة ؟
ابتسم بشار بحزن وقال :
ذلك كان منتهى الجنون مني ..
في تلك الأثناء كنت قد قررت أن أتخصص في علم السرطانات ..
لأن مايا مريضة بهذا الشيء ..
وكان هذا البحث في تلك الأيام مثار العاصفة الكبرى في ميدان الطب ..
قرأته بل فصصته من اهتمامي به ..
كان عندي هوس شديد ..
بأن أذهب لليابان وأجرب هذا العلاج على مايا ..
كنت أريد أن أنقذها بكل ما أستطيع ..
على الأقل حتى لو كان ذلك في خيالي .. لكي أرضي جنون قصتي الـمُختلقة ..
صدقيني كنت أعيش الدور بقدر ما أستطيع ..
إنك لن تستطيعي .. أن تفهمي حياة إنسان ..
تربى يتيماً .. محروماً من العاطفة ..
ليس في حياته الكثير من الأصحاب ..
ليس إلا ابن عمته الوحيد وسام وابنته الصغيرة منى ..
إنه حتى ليس أخي ..
تربى وأعرضت عنه أول فتاة في حياته بلا سبب مقنع ..
لن تستطيعي أن تفهمي الصراع النفسي في إنسان خيالي حاول أن يكون إنساناً مثالياً ..
أن يكون صادقاً ومحباً ..
وأن يعطي الناس الأمل والحب كلهم ..
وأن يعاملهم بطريقة أصفى من السماء الزرقاء ..
أن يكون مرهفاً حساساً حالماً وشاعراً كما تقتضي طبيعته ..
له كل الحق أن يُحِب أو يُحَب ..
دون أن يعاني من السخرية ..
أو الرفض والاستهجان من الناس ..
أو حتى الاستغلال من المقربين ..
والتعامل بتلك اللزوجة والنفاق ..
هذا ما يستحقه أمثالي من الذين كانوا ينظرون للحياة بمنظار وردي ..
قررت أن أتغير وأن أعيش مثاليتي التي أنا عليها مع ذاتي ..
من حبيبتي التي اخترعتها والتي تقدر وتفهم كل هذا ..
مع إنسانة تشعر في كل شيء أفعله ..
قد لا تستطيعين الفهم يا همسة ..
قد لا تستطيعين أن تقدري كل هذا ..
أنت معذورة ..
لن يستطيع أحد في الدنيا أن يفهم جنوني هذا إلا أنا ..
التفت إلى همسة التي كانت دموعها خط رفيع على وجنتيها ..
وأنفها قد صار أحمراً .. قالت له بأكبر خيبة أمل في حياتها :
لم فعلت كل هذا يا بشار بي ؟
ما الذي فعلته أنا بك ؟
لم دمرت حياتي كلها؟
دمرت حياتي العلمية .. وجعلتني أعود من أجل ماذا ؟
حتى إنك لا تحس بي ..
والله هذا حرام ..
هذا ليس إنصافاً ..
قال لها بشار :
ما فائدة الحب إن كان محكوماً عليه بالإعدام ؟
بالله عليك كيف تريدينني أن أجعلك تستمرين في حبي وأنا أموت ؟
هل هذا هو الفعل الصائب؟
أن أجعلك تتعلقين بي ..
ثم أتركك تعانين الأمرين ؟
نظرت فيه همسة مستفهمة .. إن كلامه هذا يعني شيئاً ما ..
قال لها وهو ينظر لعينيها بقوة:
همسة .. والله الذي لا إله إلا هو ..
ما كذبت عليك في كلمة قلتها لك الآن ..
ولن أكذب حين أقول لك بأني :
أحبك
لم تحتمل همسة كل هذا ..
جلست تبكي ..
وراح جسمها ينتفض ..
لم كل هذا الجنون يلاحقها ؟ لم ؟
وجدت يداً دافئة تمس كتفها في شيء من الحنان ..
بقيت على حالها دون أن يتوقف بكاؤها ..
قال لها : أنا آسف .. والله ما قصدت أن أجرحك بكلمة ..
صدقيني أنا آسف ..
رفعت رأسها إليه وراحت تتأمل في وجهه ..
والدموع تغرق وجهها وعينيها الزواقاوين ..
فقال لها بصدق وبنظرة ما رأتها قبلاً في عيني بشار ..
نظرة حالمة .. نظرة دافئة ..
نظرة فيها الدنيا كلها ناعمة :
والله العظيم .. أحبك ..
ثم مد يده بتلك الوردة الحمراء ..
نفس الوردة التي كانت تصل إليها منذ زمن بعيد ..
نفس طريقة التغليف ..
لقد كان هو حتماً ..
لم يكن فراس كما ظنت
إنه بحق كان يحبها منذ طول أمد ..
فضحكت همسة من بين كل الدموع .. ولازالت دموعها تقطر من وجهها .. | |
|
| |
| روايه واقعيه و مره جنان حب في مستشفى الجامعه بجده | |
|