فرنسا.. بلاد النور والملائكة، بلاد الثورة والحضارة
والنهضة والثقافة، بلاد الحرية وحقوق الإنسان، هكذا تعاملنا نحن العرب مع
فرنسا تاريخيا(الليبراليون منا على وجه التحديد بالطبع)، حتى أن جدلا
مستمرا يدور حول الموقف من حملة نابليون على مصر في القرن التاسع عشر
مازال مستمرا، هل نعتبر الحملة(استعمارا)أم(تنويرا)؟. فرنسا هذه، أم دعوات
الحرية في العصر الحديث، انتقل إليها- وا أسفاه- فيروس ثقافي عربي الأصل
والنشأة والمصطلح! فيروس(الخوف من الغزو الثقافي)!، فالمجلس الأعلى
للإعلام المسموع والمرئي في فرنسا، طلب من الدولة وقف بث قناة المنار
التابعة لحزب الله اللبناني عبر الأقمار الاصطناعية في فرنسا، وكعادة
الأوروبيين، السبب العلني هو قانوني، فقد قال رئيس الوزراء الفرنسي إن
بلاده ستجي**انونا يفرض قيودا على محطات التليفزيون التي لم توقع عقودا
مع أي ٍ من دول الاتحاد الأوروبي، أما السبب الدافع فقد ظهر في تعبير رئيس
الوزراء نفسه عندما قال:"سنفرض قيودا على محطات التليفزيون التي تبث برامج
معادية للسامية من الشرق الأوسط"، كما قال دومينيك بودي رئيس المجلس
الأعلى للإعلام الفرنسي إن:"صورا وتصريحات تبثها محطات أجنبية في فرنسا
عبر يوتيلسات لا تحتمل إطلاقا"، وقد قال ذلك تعليقا على بث قناة المنار
مسلسلا تاريخيا عن تاريخ إسرائيل، هو مسلسل "الشتات"الذي بثته القناة
العام الماضي، وواجهت بسببه هجوما أوروبيا عنيفا، وأوقفت استراليا بث
القناة فيها بسببه، هكذا إذن يتوجب على وزراء ومسئولي الإعلام العرب أن
ينتشوا فرحا بتقليد فرنسا لهم! ويحق لهم أن يقولوا أنهم ليس هم وحدهم من
يفرضون الوصاية على عقول مواطنيهم الطيبين، خوفا عليهم من(الغزو الثقافي)،
أما نحن وكالعادة، فإننا استقبلنا الحدث في عالمنا العربي بالتأسف
التقليدي الانفعالي الذي تمكن منا الإدمان عليه! فتش عن الأصابع اليهودية،
فتش عن الصهاينة أبناء القردة والخنازير! فتش عن سيطرة اللوبي اليهودي أو
الإسرائيلي في أوروبا، .. إلخ، وسوف يستمر هذا السب فترة ثم نهدأ، وكأن
شيئا لم يكن، وفي الواقع فإن سؤالا يطرح نفسه هنا، حتى لو كان يوجد لوبي
يهودي أو إسرائيلي أو صهيوني أو حتى خنازيري في أوروبا! لماذا لا يوجد
لوبي آخر عربي أو إسلامي أو سمه ما شئت، يضغط لصالحنا باعتبارنا(الساميون
العرب)أمام هؤلاء(الساميين الإسرائيليين)؟! هم بالتأكيد يمتلكون شكلا من
أشكال(الشطارة)مكنتهم من شق تلك القنوات للضغط على أوروبا، شطارة جعلت
الفرنسيين يخافون من الغزو الثقافي من الساميين العرب! ويفضلون عليهم
الساميين الإسرائيليين، هل خطر ببال أحدنا أن يتساءل- بصراحة- لماذا
الساميون الإسرائيليون أشطر من الساميين العرب؟!
** البرامج الوثائقية على الفضائيات العربية:
( ثقافة المعلومة ) أمام ( ثقافة الحدوتة ) عند الجمهور العربي
بين
الفيلم السينمائي والآخر على شاشات معظم القنوات العربية- الفضائية
والأرضية- أو بين مسلسل وآخر أو بين برامج المسابقات، يعرض إما فيض من
الإعلانات التجارية أو ما يطلق عليه عادة اسم(فيلم وثائقي)، والحال ملحوظ
أكثر في القنوات الإخبارية التي لا تعرض أفلاما أو مسلسلات، فترى على
شاشاتها(برنامجا وثائقيا)بين نشرة وأخرى أو بين برنامج حواري وآخر، بالطبع
نفس تلك السياسة التليفزيونية مطبقة أيضا في القنوات الأجنبية مثل
قنوات(بي بي سي)أو القناة الفرنسية أو غيرها. البرامج أو الأفلام
الوثائقية هي من الفنون التليفزيونية الرائعة حقا، وهي تغطي مساحة هائلة
من اهتمامات البشر- وليس فقط كما تعتقد للوهلة الأولى أنها تتبع بالكاميرا
تفتح الزهور وهروب الحشرات والحيوانات إلى جحورهم!- فهي نوع من فنون
التليفزيون يلتقط مشهدا واحدا من حياة البشر ليسبر غوره بعدسة الكاميرا،
وهي نوع يقدم(معلومات)محددة، عن الأماكن والأشياء والعلوم وحتى مشاعر
البشر، كتلك الحلقات من البرامج الوثائقية العديدة التي تعرض مثلا تجارب
الأطباء النفسيين حول ردود أفعال البشر تجاه أحداث معينة، أو تتبع نمو
الطفل النفسي والمعرفي وغير ذلك، بالطبع قناة(ديسكفري)هي قناة متخصصة في
هذا المجال، فقد اكتشفوا أهمية تنمية(ثقافة المعلومة)فأطلقوا تلك القناة
الممتازة، لكن ما يلفت النظر في الفضائيات العربية أنها قليلا بل قل نادرا
ما تنتج مثل تلك البرامج، والسؤال المطروح هو لماذا؟ لماذا لا يهتم العربي
بإنتاج برامج أو أفلام وثائقية تسخر عدسات الكاميرا لمعرفة ما وراء
الأشياء؟ أو حتى للمعرفة المباشرة بالأشياء؟ أو لالتقاط لحظات عابرة في
الحياة العربية وتحويلها إلى مادة معلوماتية، أو لعرض حقائق علمية عن
البشر وحياتهم والطبيعة التي يتعاملون معها والكون الذي يعيشون فيه؟ ربما
يكون السبب أننا أبناء ثقافة(الحواديت)، تعلمنا من الدول المتقدمة أن ننتج
سينما وننتج مسلسلات تليفزيونية، لكن إنتاج المعلومات لم يشد انتباهنا
لنتعلمه منهم، تعلمنا منهم إنتاج برامج المسابقات وبرامج(التوك شو)، لكننا
لم نتعلم منهم إنتاج يعتمد على(البحث العلمي)، لا ينقصنا التمويل، فما
ينفق على إنتاج برامج المسابقات والحكي مع الفنانين ولاعبي كرة القدم،
يفوق ربما ما نحتاجه لإنتاج ثقافة معلوماتية، لكنها هي(ثقافتنا
الاجتماعية)التي تحب الحواديت ولا تحب العلم، وتتشفى في العلماء عندما
تفشل لهم تجربة هنا أو هناك، وتفضل(أبو زيد الهلالي)على أي عالم ٍ أو
باحث، هي تلك الثقافة التي يتربى عليها القائمون على الإنتاج التليفزيوني،
وهي التي تنتج مموليه، نعم نشتري من الآخرين تلك البرامج، كما نشتري منهم
كل شيء، ربما لأنهم ينجحون في تسويقها بأكثر ما نرغب نحن فيها أو نبحث
عنها، لكننا لا نهضمها، لا نتعلم منها، الغالبية الساحقة من المشاهدين
العرب تسخر من البرامج التي تتبع أنواع الحشرات أو الزهور أو الغابات أو
تجارب الأطباء أو علوم الفضاء أو غير ذلك، بينما تنظر بفخر إلى الأنباء
والبرامج التي تبين القدرة على قتل الآخر، خاصة عندما يكون القاتل عربي!
قناة العربية عرضت برنامجا عن أيمن الظواهري، وغيرها من القنوات عرض
برنامجا عن الزرقاوي أو أسامة بن لادن أو غيرهم، والجميع يختار أوقات
الذروة لعرضها، حد السيف بالنسبة لنا أهم من المعلومة، والقدرة على القتل
في ثقافتنا الكامنة الراسخة هي الجد، بينما المعلومة والكتب هي اللعب،
وبغض النظر عن الظروف التي قال فيها المتنبي بيت شعره الشهير، فقد حوله
التواتر إلى ثقافة منهجية في أعماقنا، ثقافة ترفع شأن(فعل القتل)وتحقر(فعل
المعلوماتية)، ثقافة ظلمت الشاعر المتمرد عندما حولت بيت شعره- بفعل عادة
التأويل والإسقاط، القائمة عليها تلك الثقافة- حولته إلى موقف ومنهج حياة،
منهج يصبح فيه:" السيفُ أصدقُ أنباء ٍ من الكتب ِ .... في حده الحدُ بين
الجد ِ واللعب ِ"!
** على الفضائيات العربية.. الرياضة كحياة العرب:
جعجعة بلا طحين!
في
العالم كله هناك قنوات متخصصة في الرياضة وأخبارها، ونحن أيضا، لدينا
قنوات متخصصة في الرياضة وأخبارها، لكن العالم كله- العالم المتقدم طبعا-
يهتم بفنون الرياضة وممارستها، والأهم من ذلك دلالتها الحضارية في ثقافة
الشعوب، هنا يختلف الأمر لدينا، لدينا مئات الفرق الرياضية في كرة القدم
وأنواع الرياضة الأخرى، لدينا ملاعب ووزراء للرياضة والشباب، لدينا لاعبون
ومدربون وحكام، لكن بالمفهوم الحضاري.. ليس لدينا رياضة! هذا بالطبع ليس
كلامي، فالرياضة، هذا(الشيء)لم يجد له مكانا في حياتي وحياة أمثالي..
لأسباب حضارية! وإنما هو كلام ضيف- لا أذكر اسمه للأسف- في أحد تلك
البرامج التي تبث على الفضائيات العربية عن الرياضة والكرة والملاعب، أحد
الضيوف قال:"نحن نعرف اللاعب(الفلتة)الذي يتفوق بالصدفة، لكننا لا نعرف
ولا نملك مؤسسات مهمتها(صناعة اللاعبين)، نحن(نحب الفرجة)على فنون
الرياضة، لكننا(لا نفهم الرياضة)! التعليق الأظرف كان لضيف ٍ قال:"حرام
نحمل اللاعبين عبء ثقافة اجتماعية لا تفهم الدور الحضاري للرياضة، اللعيبة
بتوعنا غلابة.... نفسهم مقطوع من سوء التغذية"!