اليهود
طخوني وأنا لا أحبهم" .. قصة الطفلة ملاك والطفل عمار اللذان جرحا في حادث
اغتيال الشهيد جوابرة لم تكن ملامح الطفلة الفلسطينية ملاك عبد الناصر
شبارو (3 أعوام) وشقيقها عمار (4 أعوام ونصف) توحي بأن ما حدث لهما ظهر
يوم الأحد الماضي كان
مجرد حادث عابر, عندما انفجر محل هاتف عمومي وسط البلدة القديمة من نابلس,
أثناء قيام الناشط في حركة التحرير الوطني الفلسطيني "فتح" أسامة جوابرة
بإجراء مكالمة هاتفية فيه, مما أدى إلى استشهاده على الفور في عملية
اغتيال وجهت أصابع الاتهام فيها إلى جهاز المخابرات الإسرائيلي" شين بيت".
ففي الوقت الذي أطاح الانفجار بالشهيد جوابرة كانت ملاك قد طارت على مسافة
أربعة أمتار لتقع بجواره ملطخة بالدم, ويقع بصرها على جثة الشهيد,
وبجوارهما شقيقها عمار.. وقفت ملاك من هول الحادثة وصاحت كما يقول سكان
الحي "ماما ماما … طخوني", إلا أنها لم تذرف أي دمعة, ولم يظهر عليها
البكاء, بل كانت شاردة الذهن لساعات طويلة. وعلى أحد أسرة مشفى رفيديا
بنابلس, حيث ترقد ملاك وشقيقها عمار, وبجوارهما والدتها, بدت الغرفة
وكأنها مشهد مصغر للوجع الفلسطيني, وللجريمة الصهيونية, التي طالت المجتمع
الفلسطيني بشكل عام, والطفولة البريئة خصوصا. ففي حي القريون وسط القصبة
القديمة بنابلس تقطن أسرة شبارو كغيرها من مئات الأسر الفلسطينية, ورغم ما
تعانيه من أوضاع معيشية صعبة, إلا أنها كانت قلعة شامخة في وجه الاحتلال
عام 1967, وكانت ملاذا لعشرات المطاردين الفلسطينيين. وفي أجواء الشموخ
والإباء ولدت الطفلة ملاك أصغر أبناء عبد الناصر شبارو, الذي أقعده المرض
منذ عام, ومنع من القيام بأي جهد عضلي, بسبب مرض القلب, الذي يعاني منه,
إلى جانب 3 أبناء آخرين هم عمار الذي أصيب أيضا مع شقيقته, إضافة إلى
شقيقها إياد (13 عاما) وشقيقة تبلغ من العمر (14 عاما). وفي جو امتزج
بالحزن والألم, الذي تسببت فيه حادثة التفجير, والفرحة بنجاة الطفلين,
تروي أم إياد ما حدث في يوم الأحد, إذ كانت في زيارة لإحدى قريباتها عندما
وصل إلى مسامعها خبر حدوث انفجار في الحارة, فسارعت إلى هناك, وخالجها
شعور غريب بأن شيئا ما وقع لطفليها, لأنهما يلعبان عادة في ذلك المكان,
وقد صدق حدسها, كما تقول. وكاد أن يغشى على أم إياد عندما شاهدت طفليها
مضرجين بالدماء, ولم تشعر بالراحة إلا عندما وصلت المستشفى وأبلغت أن
طفليها في وضع مطمئن ولا حاجة للقلق. وتضيف أن الشهيد أسامة لاطف طفلتها
وأعطاها بعض النقود لشراء ما تريد, وتوجهت إلى البقالة المجاورة لهاتف
الاتصال, واشترت حاجاتها, وعندما دوى حادث الانفجار, الذي أطاح بالشهيد
والطفلين بعيدا, تلاقت عيون الطفلة ملاك بالشهيد أسامة, وكأنها تود أن
تشكره على إعطائها النقود, لأنها نسيت أن تشكره قبل دقائق, إلا أن الموت
كان أعجل إليها من شكرها له. وعندما وصلت ملاك إلى مشفى رفيديا, كانت ما
تزال تمسك بما اشترته, وقالت للممرضات هذه هدية من الشهيد أسامة, وبدت
تتذكر ما حدث لها بعد ساعات العصر, وأخذت تبكي وتذرف الدموع, عندما ارتاح
جسمها بعد ساعات من الشد والكبت. وفي مشفى رفيديا انكب الأطباء والممرضون
لتقديم ما يلزم للطفلين, إذ تبين, بحسب ما يقول الدكتور حسام الجوهري,
مدير المشفى أن ملاك أصيبت بشظايا عديدة في أنحاء الجسم, وجرح في الوجنة
اليمنى, وجرح قطعي في الرجل اليمنى. أما عمار فقد أصيب بشظية في اليد
اليمنى, وشظايا في الرجل اليمنى. وأضاف أن ملاك قد تخضع لعملية جراحية
وإجراء عملية رقع جلدي, في حين تم وضع عمار تحت المعالجة والمتابعة. وفي
ظل الحديث المتبادل مع أم إياد كانت ملاك ترقب ما يدور حولها وكأنها تريد
أن تشارك في الحديث, وبادرت للقول "اليهود طخوني.. أنا لا أحبهم". الطفلة
ملاك نموذج للحرمان الذي يعانيه أطفال فلسطين, فقد توجهت إلى إحدى روضات
الأطفال المحلية مع شقيقها, وبعد شهر انقطعت عنها, بسبب عدم قدرة العائلة
على دفع المستحقات المالية, فلجأت إلى اللعب في الحارة, رغم أنهما كانا
متفوقان, وتمكنا من حفظ صغار سور القران الكريم خلال شهر فقط. وقبل أن
يختتم اللقاء مع الطفلة ملاك بدت وكأنها في حاجة للعبة، وعند سؤالها عن
اللعبة, التي تريد قالت عروس تغني أغنية "أمانيه" فكان لها ما أرادت.
ووفقا لمؤسسة التضامن الدولي لحقوق الإنسان فإن زهاء 173 طفلا فلسطينيا
استشهدوا خلال انتفاضة الأقصى, كما شكل الأطفال نصف الإصابات, التي فاق
عددها 20 ألفا طبقا للعديد من المؤسسات الحقوقية