وأخيراً رحل فارس البلقان أبو ذر الطائفي ـ سمير الثبيتي عرفته الشيشان
بأبي ذر الطائفي، عرفته قائداً شهماً شجاعاً أبياً صاحب خصال كريمة، عرفته
فأحبته فاحتضنته، و جربته فقربته، فعانقته. إن أرض الشيشان لتفخر أن في
قلبها أمثاله، و إن تربتها لتزهو طربا حين تضم أشكاله، ألا .فسلوا عنه
ثلوج البلقان، وسلوا عنه أودية الأفغان وسلوا عنه جبال الشيشان
استمع أخي / فلقد آن الأوان لخط البيان، و تفيض الأشجان فتسطر الكلمات،
وتسكب العبرات. أخي القارئ / إنني لست بالذي أطربه، أو أمدحه بما ليس فيه،
فلو أنك عرفته ما لمتني على ما أقول، فإليك صفحات من حياته، ودرراً من
كلماته لعل الله أن يوقظ بها قلوباً غافلة، ويصلح بها عقولاً عاطلة فتهب
إلى الجهاد و تذود عن البلاد وتنقذ العباد من السفلة الأوغاد من الروس أهل
الإلحاد، أو اليهود أهل الإفساد، و غيرهم من أهل الكفر و العناد . بدأ
الشهيد (أبو ذر) مسيرته في طرق الجهاد على أرض البوسنة والهرسك حيث ذهب
إلى هناك، ذهب إلى هناك وهو في العشرين من عمره تقريبا وكان ذهابه إلى
البوسنة حين سمع عن مآسي المسلمين هناك، فأعد العدة واستعد وغدا إلى أرض
البلقان، وفي الطريق حصلت له بعض العقبات ولكن الله يسر له دربه، وسهل
أمره ليصنعه صناعة الرجال الذين يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون في الله
لومة لائم – كما نحسبه . و حين وصوله إلى كتيبة المجاهدين، عرفه الأمراء و
أحبوه، و رأوا فيه صفات القادة، فلقد كان رحمه الله مفرطاً في .الشجاعة،
لا تكاد ترى له مثيلاً ويصعب أن تجد له بديلاً .و مع ذلك فقد كان مجتهداً
في العبادة فكان يصوم صيام داود يصوم يوما و يفطر يوما إن (أبا ذر) كان
نادرة من النوادر فلقد كان ذا همة عالية لا يطيق الجلوس دون عمل، كثير
الحركة في خدمة الدين و هو يتحلى مع هذا بالرحمة واللين مع إخوانه
المؤمنين، المهم أنه كان جاداً في أمر الجهاد وحريصاً على خدمة الإسلام
فلقد كان يصحو وينام ، و همه كيف ينصر الإسلام؟ وكيف يعيد صرح أمة محمد
عليه الصلاة و السلام؟ و كيف يحيي مجد الإسلام مرة أخرى؟ فيالها من همة
عالية، و يلها من أمنية غالية، قلما تجدها عند كثير من الشباب المسلم الذي
إلتهى كثير منهم عن الجهاد بملذات .الدنيا و شهوتها .انشرح صدر الشهيد
لذلك الجهاد المبارك فقام فيه بدور فعال، كما هي حاله في جميع ساحات
الجهاد التي شارك فيها .كان أبو ذر حين إذ أحد القياديين في الجهاد هناك
رغم أنها كانت أول تجربة جهادية له إلا أنه كان مباركاً كالمطر أينما حل
نفع – بإذن الله – وكان الشهيد متعلق شديد التعلق بمدربه (أبي ثابت
المصري) رحمه الله الذي كان من أفذاذ ونوادر قادة المجاهدين في البوسنة
والذي استشهد فيها بعد أن صال وجال، و أكثر في أعداء الله من .القتل و
النكال، ثم التحق بجوار ربه الكبير المتعال كان (أبو ذر) حريصاً على
التعلم و الإستفادة من الأمور العسكرية و القتال حتى أنه كان مضرب مثل في
الحرص على ذلك، فكان لا يترك شاردة ولا واردة إلا وتجد عنده فيها معرفة، و
خاصة في المدفعية كما هو الحال عند استاذه (أبي ثابت) فهذا .الشبل من ذاك
الأسد فأبو ثابت ملك المدفعية في البلقان، و أبو ذر ملك المدفعية في
الشيشان لقد كان أبو ذر –رحمه الله – يبقى الشهور الطويلة في الجبهة هناك
في البوسنة لا يرجع منه إلى الخط الخلفي حتى إنه بقي مرة ثمانية أشهر لم
ينزل من خط النار الأول، كل هذا وهو يعمل في الترصد على العدو و الهجوم
عليهم والرباط في الخنادق و سد الثغورحتى تولى إمارة الجبهة كاملة وهو لا
يزال في الجبهة، وهذا بعض ما قام به ذلك الصقر أبوذر الطائفي في البوسنة و
الهرسك وما خفي كان أعظم . أبا ذر رحمك الله من مجاهد جاد بنفسه لله تعالى
- نحسبك كذلك والله حسيـبك – عرفتك أرض البوسنة أسداً هصوراً وفتىً متقداً
حماسة وفداءً فكنت نعم المجاهد الذي يصبر على المرابطة على خط النار . لقد
كان إخوانك ينزلون من الجبهة إلى الخطوط الخلفية يستريحون فيها وكنت تأبى
ذلك رغبة في لقاء العدو ، وهمة وحماسة لدين الله تعالى . لقد كان اضطهاد
الصرب للمسلمين وانتهاكهم لحرماتهم يؤرقك حتى لم تجد مكاناً يصلح فيه حالك
إلا في أرض النكاية بالعدو وشفاء صدور المؤمنين والذب عن حرماتهم(قاتلوهم
يعذبهم الله بأيديكم). تلك صفحة مشرقة من حياة الشهيد في البوسنة، وإليك
صفحة مضيئة أخرى من صفحات حياته العامرة بالبطولة والفداء، فبعد أن انتهى
الجهاد في البوسنة ونصر الله عباده المؤمنين قام أبو ذر رحمه الله بدور
آخر لنصرة الإسلام، فأبى الركون إلى الدنيا وأحب أن يكمل استفادته من أرض
الجهاد وأن يتم مسيرة الإعداد، فشد رحاله واتجه إلى أفغانستان ليتدرب فيها
ويعد نفسه امتثالا لقول الله تعالى: (وَأَعِدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن
رباط الخيل ترهبون به عدو الله و عدوكم) بقي الشهيد في أفغانستان فترة
طويلة تقارب عام ونصف، كل همه في ذلك نصرة الدين، ولأجل أن ينال الثمرة في
العلم العسكري؛ فترتوي منه أرض الجهاد إذا وطئها ولكي ينفع إخوانه
المجاهدين. وبالفعل فلقد استفاد الشهيد أبو ذر –رحمه الله- من الفترة التي
قضها في أفغانستان فكلن لا يشغل نفسه إلا بما ينفعه، ولا يضيع وقته بما لا
ينفعه، حتى أصبح كادرا لا يستغني عنه في أرض الجهاد. أضف إلى ذلك ما كان
يتحلى به من الشجاعة و الإقدام والكرم والجود وكان معروف بذلك . وكان
مطيعا لأمرائه محبا لهم، فلا يؤمر بأمر إلا وتجده يمتثله، وقد عرف بالصلاح
والتقوى وخشية الله كما نحسبه وكان إذا وعضه أحد نظر إلى السماء وفاضت
عيناه بالدموع من خشية الله تعالى. وبعد أن قضى أبو ذر هذه الفترة في
أفغانستان واستفاد فائدة عظمى بداء يتطلع في أنحاء الأرض ليرى مكانا تقام