الصغير
هو من رحم الجزيرة من صلب الرجال الأول… كان سادس ستة طلاب غادروا الصف
الثاني الثانوي من ثانوية الأنصار بالمدينة ولم يعودوا.. وأصبح لكل منهم
قصة بطولة تعجز عنها الأحجيات...
فثانيهم أبو الزبير شهيد سرايفو وثالثهم الشهيد طالب النجار... ورابعهم
الشهيد خالد الكردي وخامسهم ابن فرغانة الذي تحكي عن شجاعته الأجيال في
صمت.. وسادسهم ذاك الذبيح الذي حزت الشظية عنقه من الوريد إلى الوريد.
------------------------ السيارة الفارهة وسائقها الآسيوي النحيل..تمايلت
أمام المدرسة كالطاووس..تنتظر ذاك الصغير… وطال الانتظار بضع سنين…
فالصغير غادر مقعده منذ الصباح ولن يعود فلقد ترك تحت وسادته المخملية
رسالة حزينة اعتذر للوالدين فيها فهو ربما يعود .. أولا يعود أبدا.. كانت
الأمة مشغولة بمباراة هامة سيتحدد عليها مصير أحدهم.. لكن في خلسة - دون
قصد- بين الإعلانات أطل وجه مسلمة كانت تعاني من السبي ويتيمان يبحثان في
صندوق قمامة عن وجبة المساء … وكانت المحطة الأخرى تعرض سباق أجمل
الكلاب…؟ تمتم الجميع بالأسى ..هو ..انتفض ..دس وثيقة السفر في قلبه وغادر
المدينة.. وعلى الخط الفاصل بين الموت والقتل منع ولم يجيزوه كسمرة بكى
كثيرا..جرح كثيرا… ذبحته نظرات الشفقة على صغر سنه..فقرر الهروب الى
الأمام.. وبقي هناك بقميصه الأسود وبنطاله الكاكي.. - لم يكن يملك سواهم -
لبضعة سنين لكنه أصبح ينتمي لذاك الرعيل.. كان إذا الموت دار وانهارت
القلوب في الأقدام .. والشظايا تأتي من كل مكان غرابيب سود وأشلاء أبطال
كانت العيون تبحث عن الأمير الصغير .. تبحث عن شفيق كي ما يهدأ الروع
الجانح كان بجسده النحيل ونظارته المشققة.. والمشدودة إلى وجهه بخيط مطاط
وصوته الهادئ الحنون .. يعيد الحياة للمكان من جديد.. فيخجل الكبار الذين
ظنوه صغيرا يوما ما .. .. .. عدة أعوام قضاها يبحث عن الموت في فم الموت
.. بكل حسابات البشر يموت في اليوم مائة مرة لكنه يخرج من دوامات القنابل
وأمواج الانفجار .. أميرا موشحا بالدماء متوجا بالغبار تلمع عيناه كصقر
مجروح. عشق أمنية كانت غريبة.. تمنى أن لا يكون له قبر ..واستمر في فم
الموت معصبا بالأنفال يبحث عن الحياة لقد عرف الناس الشجاعة أنها الاندفاع
باتجاه العدو.. وهو عرفها في أصعب أنواعها ألا وهي الثبات في الأرض حين
تموج الدماء في المكان و يتقدم العدو ويتراجع الأبطال .. وبدأ الموت ينهض
في كل مكان كانت صواريخ اسكود الغاضبة نوافير نار والطائرات تقرب الأرض من
السماء .. وفي هدير الدبابات ضاع صوت الرجال .. ولم يعد بمقدور حفنة من
الأبطال - من الإعياء- إلا الانحياز وقرر هو البقاء.. في وجه مارد النار
وسيل الدبابات كي ما يبطئ عجلة الموت حتى يصل أحبابه إلي مكان آمن …رمي
بمدفعه القذيفة الأولى الثانية… حتى الأخيرة .. ووسد خده النحيل ماسورة
المدفع كي يصوب.. لكنها كانت التي ستحمله الى السماء ..جاءته قذيفة في
القذيفة …وتوهج شفيق وتبخرت دمائه ولم يبقى منه سوى كفه حكمة لايعلمها الا
الله…؟؟؟ كتبها : مهاجر